تركواز بوست ألزهايمر
البكتيريا المسببة لأمراض اللثة يمكن أن تحفز مرض ألزهايمر

تعتبر العناية السيئة بالفم أحد أهم العوامل الخطرة للإصابة بمرض ألزهايمر  (الخَرَف) (Alzheimer) . و من غير الواضح -حتى الآن- فيما إذا كان مرض اللثة يسبب هذا الاضطراب أم أنه مجرد نتيجة له - فعلى سبيل المثال لا يستطيع العديد من مرضى ألزهايمر  العناية بأسنانهم. و أكدت دراسة مؤخراً - أجريت برعاية خاصة- أن البكتيريا المسببة لأمراض اللثة موجودة في أدمغة مرضى ألزهايمر ، وليس فقط في أفواههم. كما وجدت هذه الدراسة (أجريت على الفئران) أن هذه البكتيريا تقوم بتحفيز تغيرات معينة في الدماغ -بشكل نموذجي- لهذا المرض.

و تشير النتائج المثيرة -و هي الأحدث في موجة من الأبحاث- إلى أن العدوى الميكروبية قد تلعب دوراً مهماً في مرض ألزهايمر . ولكن , حتى بعض العلماء الذين يدافعون عن هذه الفكرة التي لا تبعث على الحماس ، لا يقتنعون بأن بورفيرموناس اللثة (

Porphyromonas gingivalis

) (البكتيريا الأكثر ارتباطاً بالتهاب المزمن للثة ) ، وهي الأنواع التي أشير إليها بالبنان في الدراسة الجديدة ، هي وراء هذا الاضطراب. و يقول عالم الأعصاب روبرت موير Robert Moir والذي يعمل لصالح مستشفى جامعة ماساتشوستس العام في جامعة هارفارد - في بوسطن ، والذي يشير عمله إلى أن البروتين β-amyloid protein (الذي يقوم بتشكيل لويحات متشابكة في أدمغة مرضى ألزهايمر  ) ما هو إلا عبارة عن استجابة وقائية من الغزو الميكروبي ، يقول: "إنني متأكد تماماً من فكرة أن هذا الميكروب يمكن أن يكون عاملاً مساهماً... كما أنني أقل اقتناعاً بأن هذا العامل قد يسبب مرض ألزهايمر ."

و قد تم نشر هذه الدراسة الجديدة  اليوم في مجلة العلوم المتقدمة

Science Advances

، برعاية شركة كورتكسيمي  (Cortexyme Inc.) في جنوب سان فرانسيسكو - كاليفورنيا. و قد أصبح المؤسس المشارك بهذه الدراسة  ستيفن دوميني Stephen Dominy و هو طبيب نفسي من تسعينات القرن الماضي مفتوناً بفكرة أن مرض ألزهايمر  يمكن أن يكون له سبب معدي. حيث أنه و في ذلك الوقت ، كان يعالج المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو. و كان بعض المصابين قد أصيبوا بالخرف المرتبط بفيروس نقص المناعة البشرية HIV   ( الإيدز) الذي تم حله بعد حصولهم على الأدوية المضادة للفيروسات. و قد بدأ Dominy مشروع جانبي يبحث عن جينجيبينز P. gingivalis في أنسجة مخ المرضى المصابين بمرض ألزهايمر - بعد أن اكتشف في أعماله مؤشرات على قوة دراسته - و بدأ الشركة مع رائد الأعمال كيسي لينش Casey Lynch ، الذي درس ألزهايمر  كطالب دراسات عليا.

و أكد فريق Cortexyme و الذي قام  بالتعاون مع مختبرات في أوروبا والولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا ، تقارير أولية بأن جينجيبينز P. gingivalis يمكن العثور عليه في أدمغة المتوفين المصابين بمرض ألزهايمر  ،كما أنهم ضبطوا وجود الميكروب ضمن الـDNA في السائل الشوكي للمرضى الأحياء . وفي أكثر من 90% ضمن أكثر من 50 عينة من دماغ مرضى ألزهايمر ، كما اكتشفوا أيضا أنزيمات سامة تنتجها  بكتيريا اللثة و يطلق عليها أنزيمات جينجيبينز gingipains.وكانت الأدمغة التي تحتوي على المزيد من الجينجيبينز gingipains ، تحتوي على كميات أكبر من البروتينات من نوع أوبكوتين و تاو ubiquitin  و tau المرتبطة بألزهايمر . وحتى أدمغة ما يقرب من 50 شخص متوفٍ ، من كبار السن الذين لم تبدو عليهم الإصابة بالخرف و تم اختيارهم كضوابط ، كانت لديهم في الغالب مستويات أقل من الجينجيبينز gingipains والبروتينات التي تشير إلى مرض ألزهايمر . و يعقب لينش Lynch  على هذا قائلاً: "إن ذلك الظهور المبكر مهم "، لأنك "تتوقع أن يكون موجوداً هناك قبل ظهور الأعراض (أعراض ألزهايمر ) " .

ولاكتشاف فيما إذا كانت تلك البكتيريا هي المسببة للمرض ، قام الفريق بمسح لثى أسنان تعود لفئران سليمة ببكتيريا    P. gingivalis كل يوم لمدة 6 أسابيع لتحديد العدوى. واكتشفوا لاحقاً البكتيريا في أدمغة الحيوانات ، جنبا إلى جنب مع الخلايا العصبية المحتضرة إضافة إلى مستويات أعلى من معدلاتها الطبيعية من البروتين الذي يطلق عليه  β-اميلويدβ-amyloid protein) ) . وتحت عدسة المجهر في طبق المختبر ، تسبّبت أنزيمات جينجيبينزالسامة gingipains ـ والتي تتمثل مهمتها في تقطيع البروتينات ـ بإتلاف البروتين تاو tau ، وهو بروتين دماغي نشط يفرز بشكل متكرر و منتظم ، و هو يقوم بتشكيل التشابكات والعقد عند الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر . و يقول فريق الباحثين أن تلف هذا البروتين في الدماغ قد يؤدي إلى  تحفيز تشكيل هذا التشابك .

ولقد تبين أن إعطاء الفئران دواءً يربط أنزيمات جينجيبينز  gingipainsيؤدي إلى إزالة بكتيريا ال P. gingivalisمن الدماغ بشكل أفضل من المضادات الحيوية الشائعة ، كما و أنه يقلل من إنتاج البروتين β -أميلويد " β-amyloid "  و يضعف الأسباب المؤدية إلى تلف عصبي أو فساد في الخلايا العصبية neurodegeneration. ويقول دوميني

Dominy: "  من المحتمل أن  ينجح استهداف الأنزيمات السامة جينجيبينز  gingipains و ذلك عن طريق قطع المغذيات والجزيئات الأخرى التي يقوم هذا الأنزيم  بتزويدها للبكتيريا ". و قد صرحت الشركة القائمة على هذه الأبحاث قائلة بأن دواء مشابهاً - في اختبارات أولية أجريت على متطوعين بشريين-  قد بدا آمناً ، وأظهر علامات تحسن الإدراك في تسعة مشاركين مصابين بمرض ألزهايمر .حيث أنه من المقرر أن تبدأ دراسة أوسع و أكبر هذا العام.

وعلى الرغم من أن  ورقة البحث تشير إلى "دليل على السببية" evidence for causation ، إلا أن دوميني  Dominy يتخطى هذه الأبحاث مؤكداً على أن " جميع التجارب تشير إلى أن بكتيريا اللثة P. gingivalis  هي ما يسبب مرض ألزهايمر " . ولقد لاحظ كل من دوميني Dominy ولينش Lynch أن دراسة نشرت في PLOS ONE في أكتوبر 2018 من قبل فريق في جامعة إلينوي University of Illinois في شيكاغو وجدت أيضاً أن العدوى الفموية ببكتيريا P. gingivalis  يمكن أن تسبب تراكم الأميلويد والتنكس عصبي (التلف في الخلايا العصبية neurodegeneration) في أدمغة الفئران.

ويقول طبيب الأعصاب جيمس نوبل James Noble  من جامعة كولومبيا Columbia University ، و الذي قام  بدراسة الصلة بين أمراض اللثة ومرض ألزهايمر أن دراسة Cortexyme  تعتبر هي "الأوسع من نوعها و الأحدث حتى الآن" للعثورعلى بكتيريا اللثة  P. gingivalis في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر ، ومن الواضح أن هذه الدراسة  "تقترب بشكل كبير للغاية من الحقيقة" ، و يتابع " إنها أفكار غريبة ، إلا أنها تبدو ملفتة للنظر " .

و قد تم العثور على مسببات أمراض أخرى في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر  ، بما في ذلك بكتيريا تدعى سبايروكيت spirochete ، والتي من الممكن أن تتسبب في مرض لايم Lyme disease ،  إضافة إلى بعض فيروسات الهربس herpesviruses . و قد أشار كل من موير Moir ورودولف تانزي Rudolph Tanzi العاملين في مستشفى ماساتشوستس العام  MGH (Massachusetts General Hospital) إلى أن بروتين β -أميلويد β-amyloid في الدماغ يبدو أنه يقوم بحماية الفئران من الالتهابات البكتيرية والفيروسية عن طريق محاصرة الغزاة. كما أشارا إلى أن  الكثير من هذه الاستجابة الوقائية لمسببات الأمراض يمكن أن تؤدي إلى تراكم لويحات الأميلويد الخاصة بالمرض.

ويعتقد موير Moir أن بكتيريا اللثة P. gingivalis  -على الأرجح - هي واحدة من مجموعة متنوعة من العوامل الممرضة التي تساهم في تراكم الأميلويد والالتهاب العصبي  neuroinflammation. و لكنه يشك في أن تكون البكتيريا أو سمومها هي ما يتسبب و بشكل مباشر بمرض ألزهايمر . ويعود  السبب في ذلك جزئياً إلى أن الدراسات الحديثة الأخرى التي استكشفت الصلة بأمراض اللثة لم تكن تُكتَشف دائماً لدى الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر .

ويقول هوارد فليت Howard Fillit متأثراً، و هو عالم أعصاب ورئيس قسم العلوم في مؤسسة اكتشاف أدوية مرض ألزهايمر الخيرية Alzheimer’s Drug Discovery Foundation في مدينة نيويورك : "لقد قاموا بتجارب مختلفة  كثيرة لبناء الحالة التي تكون فيها أنزيمات الجينجيبينز السامة gingipains هدفا للأدوية في مرض ألزهايمر " و يتابع "أعتقد أن الأمر يستحق المتابعة ، ويسرني أنهم يقومون بتجاربهم سريرياً " .

 

و لكن في المقابل إذا كانت هذه النتائج صحيحة  ، فهل يعنون أن كل شخص مصاب بمرض اللثة – هناك ما يقرب من 50% من السكان البالغين في الولايات المتحدة - سوف يصاب بمرض ألزهايمر ؟ .. ربما ليس بالضرورة. و في هذا السياق يقول نوبل Noble ، إذا أراد الأشخاص الأصحاء البقاء في الجانب الآمن و تقليل احتمال المخاطر :" فلا نملك في النهاية إلا : فرشاة الأسنان والخيط."

 المصدر

الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن