تركواز بسوت ديباك شوبرا
ديباك شوبرا - هل حان الوقت للتوقف عن الإيمان بالسحر ؟؟؟

بقلم ديباك شوبرا . دكتوراه في الطب .

يمكننا الحكم على ثقافة شعب ما إذا عرفنا سبل إنفاقهم لأموالهم . حيث أن نظرة  خاطفة واحدة إلى الكاتدرائيات الفرنسية الكبرى كافية لمعرفة حجم المبالغ الضخمة التي أنفقت في سبيل تشييدها على هذا الطراز . و لو استطعنا ترجمة هذه المبالغ الهائلة إلى قيمة الدولار الحالية ، لعرفنا أن التمويل الأمريكي لبرنامج أبوللو للهبوط على القمر أو حتى تلسكوب هابل كان سيبدو قزماً إذا ما قورن به .  و في العصور الوسطى قام رجال الكنيسة و القساوسة بتخصيص أموال الكنيسة لخدمة الرب ، بينما قمنا نحن بصرف المال و توجيهه ناحية العلم . إننا نعتقد أن الطريقة التي ننفق فيها المال تبدو عقلانية ، بينما الطريقة التي أنفق فيها رجال الكنيسة الأموال لم تكن كذلك .

و مجمل القول أن كلاً  من المال و التاريخ يتعقب أحدهما الآخر و يرافقه .و لقد شهد عالم العصور الوسطى على أن حقيقة الإيمان بالإله و الملائكة و الأرواح و ما إلى ذلك ...والتي هي أقرب ما تكون إلى شيئ مشكوك فيه في العصر الحديث ماهي إلا تفكير سحري و غامض . إننا بترويج تلك النظرة و دفعها باتجاه زاوية مصغرة للمجتمع الغربي الحديث ، نولي الأهمية الكبرى للحقائق القاسية ، و كنتيجة لذلك تدفع جميع المبالغ الزهيدة باتجاه الدين و الفلسفة ، في حين توجه جبال من الأموال باتجاه العلم والتكنولوجيا . و بذلك لم يعد هناك مجال للتفكير السحري و الغامض بعد الآن ، كما أنه لم يعد مثيراً للدهشة أن  أكثر من 80 بالمئة من خريجي الجامعات الذكور في النظم الإقتصادية العالمية الصاعدة كالهند و الصين هم مهندسون .

ولكن هذه الصورة من "السحر " و التي يقابلها تماماً في الطرف الآخر " الواقعية " تغطي بقعة عمياء . حيث إن عالماً كعالمنا ، أسس و نظم في مجمله حول العلم و التكنولوجيا ، ليس إلا عالماً منغمساً في نسخته الخاصة من التفكير السحري ( أي يمتلك مفهومه الخاص عن التفكير السحري الغامض ) . إننا في واقع الأمر متورطون جميعاً في هذا ، و خاصة عندما نقوم -و بشكل يومي- باتخاذ قرارات مبنية على افتراضات مشبوهة حول  "الواقع " لم يتم التحقق من صحتها بشكل كامل. 

إننا بهذا الصدد نورد بعض المعتقدات السحرية الرائدة والتي يتقبلها معظم الناس :

  • إن هذا الكون مصنوع من أجسام مادية صلبة .
  • إن جسد الإنسان شيء ثابت في الزمان و المكان .
  • يمتلك الجسد الإنساني الأحاسيس .
  • يقوم العقل بمهمة التفكير لصالحنا  .
  • لا نحتاج إلا للدماغ لتفسير العقل و شرحه .   

و لربما كان الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل Bertrand Russel   ، ذو الشخصية العامة الإعتبارية و الهامة في كتابه " تحليل المادة " The Analysis of Matter)   ) والذي قام بنشره عام 1927 ، لربما كان آخر شخصية رائدة حاولت و للمرة الأخيرة إقناع العامة بأن هذه المعتقدات لا أساس لها من الصحة في الواقع . حيث قام راسل Russell و بشكل كامل بنسف الفكرة المبنية على عدم وجود علاقة بين تسلسل الأحداث المادية و التي تكون الجسم و الدماغ  ونشوء و ظهور العقل ، أو كما لخصها راسل بكلمة واحدة : الأحاسيس"sensations " .

و على ذلك فإن الذرات و الجزيئات التي ساهمت في بناء الجسد/الدماغ لا تمتلك أحاسيساً . و باختصار : فإن الذرات لا تمتلك شيئاً من المشاعر و الوعي .  و يقول راسل : " إنه حقاً لمعجزة أن يكون المنتج النهائي للذرات و الجزيئات عديمة الشعور شيء يشعر و يمتلك الأحاسيس " .

و لكن المعجزات لم تكن مقبولة لفيلسوف رياضي كراسل Russell ، لذلك فقد آثر اتخاذ موقف محايد منها . فلو كان يعتبر أن التفكير بشكل سحري غامض هو الإعتقاد بأن الذرات و الجزيئات هي السبب في امتلاكنا للمشاعر و الأحاسيس  ، و أن العقل هو ما يخلق الأشياء و الأجسام المادية فسيكون ذلك أيضاً خارقاً و معجزاً تماماً على حد سواء .و وفقاً لراسل ، فقد كانت الإجابة على مثل هذه الأسئلة هو ألا يكون هناك أي وجود لمثل هذه الأفكار . إذاً فالقاعدة تقول " إن الحالة الأساسية للطاقة الدنيا لأي ذرة أو جسيم وغير القابلة للاختزال ليست عقلاً أو مادة "....." إنني هنا في هذا المقال أقوم بقراءة سريعة و إعطاء خلاصة موضوع معقد .

لمزيد من التفاصيل  ، راجع المقالة بعنوان " الوحدوية المحايدة " neutral monism عبر شبكة النت في موسوعة ستانفورد للفلسفة " Stanford Encyclopaedia of Philosophy" .

إن التفسير الذي يستبعد  أن العقل هو مبتكر هذا الكون ، و أن المادة أيضاً مبتكرة للعقل ليست إلا فلسفة سلبية - و هذا سوف لن يكون أبداً .

لقد سعى المفكرون إلى فلسفة إيجابية تشرح في الواقع مصدر  " العقل " و " المادة " .

أما في الوقت الحالي ، فيرى الجميع أن هناك فجوة ضخمة و لا يمكن تجاوزها بين العقل و المادة . و كنتيجة لذلك فقد أراد كل مفكر أن يكون واقعياً في محاولة منه لردم هذه الهوة السحيقة . و لقد تم تحويل مفهوم القرون الوسطى المسيحي القائل بأن الله هو خالق هذا الكون ، إلى وكالة إلهية .

حتى أن بعض الفلاسفة  الدارسون ذهبوا بعيداً إلى الإيمان بأن كل شيئ في هذا العالم كان يحدث في عقل الإله " الله" ، وما نحن إلا جزء من حلمه .

و لسوء الحظ ، وبسبب غياب العقل الإلهي الذي اعتمد الفلاسفة و المفكرين عليه لسد الفجوة الكائنة بين العقل و المادة ، فقد كان الوضع صعباً  للغاية . من أجل ذلك ، فقد تم حرفياً اقتراح كل إجابة ممكنة و مطروحة .

ويقول ديباك شوبرا

 

لقد أصبحت الموضة الرائجة اليوم و المتعلقة بخلق العقل و المادة نتيجة التدفق المعلوماتي و المعرفي كأشياء أساسية في عملية الخلق ، وذلك من خلال إعطاء كل جسم عقل و وعي ذاتي خاص به ، و هو ما يصطلح عليه ب " الروحية الشاملة "   "Panpsychism" .

وفي خضم هذا التدافع و التزاحم  في سبيل إرساء الإنسجام بين العقل و المادة و التوفيق بينهما ، لابد أولاً من قبول النقاط الأساسية التي وضعها الفيلسوف راسل ( من بين آخرين ) . لقد ساهمت هذه النقاط السلبية في تصفية الأجواء من المشاحنات و الإختلافات بسرعة و خفة .

  1. إن هذا الكون غير مصنوع من أجسام مادية صلبة و ثابتة .
  2. إن الجسد غير ثابت في الزمان والمكان .
  3. لا يمتلك الجسد الأحاسيس و المشاعر  .
  4. لا يقوم الدماغ بمهمة التفكير  .
  5. إن الدماغ غير كاف لشرح و تفسير العقل .

إن هذه العبارات في الواقع لا تخبرنا عما يقبع في قاع العقل و المادة ، ولكنها تحقق شيئاً مهماً للغاية ألا و هو تبديد و إزالة التفكير السحري و الغامض . و إذا ما حاولت أن تواجه أي من هذه العبارات ، ليس من خلال الإيمان الأعمى "المطلق"  و إنما من خلال العقل ، فلن تستطيع ذلك .

إذ أنه ليس هناك فائدة في نظرية نشوء الكون و تطوره و التي من خلالها يستطيع الجميع الادعاء بأن  الذرات و الجزيئات بدأت تفكر و تشعر و تمتلك أحاسيس ، و لكننا مع ذلك نفترض هذا . و إذاً : هنا يكمن اللغز ، والغموض و المعجزة .

ويقول ديباك شوبرا فإذا كنت تعتقد بأن جسمك يشعر بالحرارة و البرودة ، وتؤمن بأن دماغك يتذكر عيد ميلادك الأخير ، وتعتقد أيضاً أن الجرانيت هو جسم صلب  - أي بعبارة أخرى : إذا كنت تشارك في هذا التفكير السحري الغامض - فأنت لست على الطريق الصحيح لإكتشاف ما هو في الحقيقة واقعي و ...حقيقي .

لنفترض ، وخلافاً للعادة الحالية لقبول كل هذه المعتقدات السلبية ، بأنك وفي النهاية تقر بنقاط الفيلسوف "  رسل " السلبية ، إذا ما فعلت كل هذا ، وإذاً فماذا في ذلك ؟ .

إن الباب مفتوح على مصراعيه لنصبح واقعيين . حيث إن ما يكمن خلال هذا الباب يستحق الرحلة والتعب التي يحتاجها للوصول إلى هناك . لكن بالنظر إلى ما حولك ، بإمكانك أن ترى أن أكثر الناس راضون بمسألة قبول التفكير السحري الغامض للعالم التقليدي ، لأنهم لا يدركون أن ثمة بديلاً عملياً عنه . إنها تجربة واقعية يتم اختبارها بشكل مباشر . و بالمقارنة ، فإن قلة من الناس ينفقون وقتهم و جهدهم الشخصي  - حيث أنها مسألة لا تتعلق بالمال- و يفكرون في اكتشاف طبيعة الواقع .

ويقول ديباك شوبرا إنني لست في حاجة إلى تجديد موقفي الخاص ، و هو أن الوعي يكمن في قلب الخلق . فالوعي ليس هو نفسه العقل.

إذ أن العقل ذو طبيعة نشطة ، بينما الوعي هو مجال صامت من الإمكانات النقية الصافية . كما أن  الوعي ليس شيئاً مادياَ ، و لكنه و في الوقت ذاته يمتلك القدرة على التحول إلى المادية تماماً كالعقل .

إنني بإرساء هذه الأفكار ، أوافق على الموقف المحايد الذي حدده الفيلسوف " رسل " ، بأن -و بدون أدنى شك- جميع نقاطه السلبية صحيحة . حيث إن هناك مصدراً مشتركاً لكل من العقل و المادة و هو ليس بطبيعة الحال العقل أو المادة ( وهذه هي نقطة رسل  الأساسية ) .

و لاتخاذ الخطوة التالية في تحويل الفلسفة السلبية إلى أخرى إيجابية ، فإن الرحلة غالباً ما تقودنا إلى الوعي ، وليس إلى أي مكان آخر.

ديباك شوبرا Deepak Chopra"  " ، وهو مؤسس مؤسسة شوبرا The Chopra Foundation كما أنه المؤسس المشارك لمركز Chopra للصحة ، هو رائد عالمي في الطب التكاملي والتحول الشخصي ، وهو معتمد من مجلس الإدارة في الطب الباطني والغدد الصماء والأيض. وهو زميل في الكلية الأمريكية للأطباء وعضو في الرابطة الأمريكية لأطباء الغدد الصماء السريرية. ديباك تشوبرا هو مؤلف لأكثر من 85 كتابًا مترجمة إلى أكثر من 43 لغة ، بما في ذلك العديد من الكتب الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز. وآخر مؤلفاته كتاب بعنوان " The Healing Self " مع البروفيسور رودي تانزي.  

و كتاب "الشفاء الكمومي" Quantum Healing ( وهو نسخة مراجعة ومحدثة): استكشاف حدود علاج العقل/الجسد. www.deepakchopra.com ) )

 المصدر

الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن