أيهما أفضل الوعي أم الذكاء؟ ديباك شوبرا

من الأفضل أن تكون واعياً أكثر من أن تكون ذكياً لو خرج لك المارد من القمقم و طلب منك أن تختار... فماذا ستختار، الوعي أم الذكاء؟

إذا كان لديك الخيار ، فهل تفضل أن تكون أكثر ذكاءً في الوضع الذي أنت عليه أم أكثر وعياً ؟

و إذا ذهبت  خطوة أبعد من ذلك ، و افترضنا أن ساحراً قَدِم إليك وقال أنه من الممكن لك أن تكون إما أذكى شخص في العالم أو الأكثر إدراكاً و وعياً ، فماذا ستختار عندئذ ؟


العالم التكنلوجي الحديث يطلب الأذكياء:

إنني أعتقد أنه من العلامات المميزة لهذا العصر أن معظم الناس سيختارون أن يكونوا أكثر ذكاءً. فنحن نعيش في عالم يعتمد على التكنولوجيا والثروة وريادة الأعمال.

و من الواجب أن تكون ذكياً لتحقيق النجاح في تلك المجالات ، أما إذا كنت تشعر بأنك متوسط ​​الذكاء فقط ، فمن غير المحتمل أن تتوقع نجاحاً هائلاً . 

حيث أنه من النادر أن يتم إدارة نقاش أو حوار حول أن تكون أكثر وعياً ، و مع ذلك فإن الخيار الأفضل هو أن تكون أكثر وعياً— وعلى عكس الذكاء ، فإنه من الممكن لك أن تزيد من وعيك.

لقد جعلت من هذا موضوع كتابي الجديد ( الإنسان الخارق أو الإنسان الأعجوبة ):

أطلِق العنان لإمكاناتك اللانهائية  Unleashing Your Infinite Potential: Metahuman .

و لذلك دعوني أختتم هذا النقاش . إن كونك ذكياً ، حتى و لو كنت شديد الذكاء ، لا يحصنك من العيش دون وعي.

فالحياة اللاواعية تحركها العادات والمعتقدات الثابتة والآراء الثانوية والضغط الاجتماعي وقيم المجموعات المتشابهة في كل شيء والتكيف القديم.

و من أجل ذلك ، فإن إدراك  كل ذلك ، ومن ثم الهروب من قبضته ، يتطلب الوعي ، وليس الذكاء.

وإن معدل الذكاء المرتفع يمكن أن يقودك إلى عمق الحياة اللاواعية  أيضاً، و ذلك لأن الأشخاص الأذكياء جداً يعتقدون عموماً أنهم على حق ، لذلك فهم يفضلون بشدة نسختهم الشخصية عن الواقع .

و بالتالي فإن هذا يقلل من الدافع أو الحافز ليكونوا منفتحين على إمكانيات جديدة وغير معروفة. و هذا يعزز العادات والمعتقدات الثابتة في المكان.

العقل العظيم لا ينتج إنساناً واعياً

و إذا حصل و قمت بدراسة من كثب لحياة العلماء البارزين بدءاً من  نيوتن Newton ، وأينشتاين Einstein وصولاً إلى جيمس واتسون James Watson  وفرانسيس كريك Francis Crick ،

فستلاحظ أن أعظم اكتشافاتهم كانت قد حققت طفرة حاسمة ، ولكن بعد ذلك أصبح كل منهم محاصراً داخل قفص من المعتقدات. 

حيث كان نيوتن Newton يعتقد أن الكتاب المقدس كان صحيحاً تماماً ؛

بينما كان آينشتاين Einsteinغير قادر على قبول ميكانيكا الكم quantum mechanics ؛ كما تمسك كل من  واتسون Watson وكريك Crick بالفكرة الخاطئة التي تقول بأن الحمض النووي DNA هو الآمر و الناهي بكل شيء. وحتى أعظم لحظة ،

تلك التي تجعلنا نصرخ بكلمة " أها " "Aha!" ، والتي تظهر عقلاً عظيماً ، ليست كافية لتجعلك أكثر وعياً.


أنت في جوهرك ... الوعي

و الحقيقة المهمة أن ما يُحدث الوعي هو التحرر من المعتقدات والعادات الثابتة.

فأنت لا تفكر فيما هو خاطئ في حياتك كما لو أن هناك صيغة أو وصفة معينة تستطيع  تطبيقها من الخارج.

لذلك فإنه باستطاعتي أن أقول أن رسالة كتاب ( الإنسان الأعجوبة ) Metahuman الأساسية تكمن في أنك عبارة عن إدراك و وعي consciousness .

فأنت لا تملك وعياً بالطريقة التي لديك بها عيون زرقاء أو شعر مجعد أو مزاج فظ أو ميل للطبخ. و ذلك لأنك أنت هو الوعي و الإدراك الذي يصنع منه كل شيء.

وبمجرد أن تكون لديك هذه الرؤية أو البصيرة ، فسيحدث تحول جذري في الداخل. حيث ستجد نفسك راغباً في تكثيف صفات الوعي الأكثر قيمة.

ولا يمكن إنكار أن هذه الصفات ضرورية  في كونك إنساناً ، وهي تشمل الحب والرحمة والفضول والإبداع والتطور الشخصي.

و هكذا فإن كل ما نقدره يأتي من الداخل ، بما في ذلك العلوم. كل ما نقوم به يأتي من الداخل.

و السؤال المهم الذي يجب طرحه هنا هو :  

كيف نكثف تلك الصفات التي نقدرها إلى أبعد حد ؟  

و الجواب هو : أن نهتم بها. 

وهذا هو جوهر ما تسميه الديانة  البوذية Buddhism : بعدم القيام بشيء  non-doing. فبدلاً من تطبيق فكرة ما ، وحتى لو كانت فكرة رائعة ، فستشعر بأنك تسير في طريقك قدماً ، جاعلاً الوعي هو ما يرشدك إلى الهدف.

و قد أشار آينشتاين Einstein صراحة إلى هذا عندما قال إن الشعور بأن هناك معجزة  wonder كان ضرورياً لأي اكتشاف علمي كبير.

فالمعجزة ليست فكرة. بل هي جودة الوعي ونوعيته ، و ذلك على عكس أخذ الأشياء أو الأمور كأشياء مسلم بها.


من السهل قفل الأشياء في صناديق عقلية و رمي المفتاح

أن تكون غير مدرك أو غير واعٍ  يؤدي إلى اتخاذ الكثير من الأمور كأشياء مسلم بها ، مثل من أنت ، وما أنت قادر عليه ، وما يخبئه المستقبل أو يحمله لك .

و من السهل جداً قفل الأشياء في صناديق ذهنية ورمي المفتاح ، وقد حدث هذا في حياة الجميع إلى حد ما أو غيره.

فمثلاً : خذ أي تسمية تقوم بتطبيقها على نفسك ، و اجعلها صندوق . ف"أنا X" يجب أن تكون لغزاً. كما يتوجب علينا جميعاً

أن نقول :  " أنا وعي غير محدود وكل الاحتمالات التي يحتوي عليها."

و بدلاً من ذلك ، فنحن عالقون  في حجرات أو غرف مستقلة مثل "أنا رجل هندي ، تدرب على الطب ، وأمتلك شقة في نيويورك ، مع زوجة محبة وطفلين رائعين".

إن هذه بالتأكيد ليست  أشياء سلبية ، فهي توحي بحياة تسير على نحو جيد.

إلا أن هذه الأشياء ليست أنا ، وإذا كنت مخطئاً في التسميات التي تنطبق علي ، فقد تبنّيت هوية مؤقتة و أسأت الفهم بينها و بين حقيقتي أنا .

والكلمة اليونانية "meta" تعني "ما وراء" او " ما بعد " “beyond” . وكما هو مستخدم في كلمة Metahuman ، فإن عملية التخطي تؤدي إلى قفزة تطورية في معنى أن تكون إنساناً .

وهذا يعني أنه لم يعد يعيش هوية مؤقتة ، مع تجارب محدودة وتوقعات محدودة.

كما أن كل شيء مؤقت يعتبر جزءاً من الواقع الافتراضي الذي نقبله في الحياة اليومية. و قد أطلق الشاعر الحالم ويليام بليك William Blake على هؤلاء "قيود العقل" “mind-forg’d manacles.” .


العقل يخلق أشياء عظيمة و لكنه لا يستطيع أن يخلق الوعي

إن العقل البشري يقوم بخلق أشياء رائعة وأشياء فظيعة أو مرعبة .

و نحن نقضي حياتنا في سباق خلف شيء وتجنب آخر. والشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يخلقه العقل هو الوعي.

و بالنسبة للإنسان ، فأن تكون واعياً و مدركاً هو نفسه تماماً  أن تكون موجوداً.

كما أن السر الذي فقده المجتمع التكنولوجي الحديث هو أن الكينونة أو الوجود existence يعتني بنفسه.

و أن الأمر عندما تكون واعياً و مدركاً لا يشبه صفحة فارغة من الورق .

و كما ذكر سابقاً ، فإن الوعي و الإدراك Awareness يجعلك على مقربة من مصدر الأشياء الأكثر قيمة . 

ولكن الأهم من ذلك ، أن تكون مدركاً فإن ذلك يجعلك متوافقاً مع الدافع (الحافز) الإبداعي في الطبيعة.

إن هذا التوافق alignment ، المعروف في اللغة السنسكريتية Sanskrit  باسم دهارما Dharma ( مبدأ التوافق الكوني )، يسمح للشخص أن يعيش بدون صراع.

إذ أنه ومن خلال تجاوزك للواقع اليومي ، يمكنك تحويل ولائك إلى ما وراء الواقع. كما أنه في حالة ما وراء الواقع metareality  الوعي لا يعوقه الأنا ، والذاكرة ، والمعتقدات ، والآراء ، والتكيف القديم.

وعندما يطمح الناس للعيش في الوقت الحاضر أو اللحظة الحالية ، فمن الممكن أنهم لا يدركون أنهم يتطلعون إلى ما وراء الواقع.

ولكن بسبب البقاء داخل بنى عقلية معينة  ، فإنه من غير الممكن لنا العيش في الوقت الحاضر. حيث أن الماضي دائماً ما يثقل كاهلنا ، والحاضر سيكرر الماضي بغير وعي ،و ذلك بغض النظر عن مدى محاولتنا الشاقة في جعل ذلك غير ممكن الحدوث .

و لذلك  و من أجل جميع هذه الأسباب ، من الأفضل أن تكون أكثر وعياً من أن تكون أكثر ذكاء. حيث أن كونك  أكثر وعياً سيجعلك أكثر ذكاءً في هذه العملية ، و ذلك لأن الشخص الواعي يتخذ خيارات أفضل من الشخص اللاواعي. 

و في النهاية ، إذا فهم الناس هذا ، سيؤدي إلى اندفاع نحو العيش بشكل أكثر وعياً. و هكذا ، فإنه لا يمكنني التفكير في هدف أفضل من هذا  لكل شخص و للجنس البشري بأكمله.

بقلم د.ديباك شوبرا




عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.   


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

القبول بوابة الوعي : ما هو الفارق بين القبول و الموافقة؟

قائمة الحب و الكره لتعزيز الوعي الذاتي ؟

سؤال مهم في الوعي : إذا لم تكن أنت ، فمن أنت؟


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل