فتاة بالمختبر العلمي تستخدة أجهزة و أدوات طبية
هل يمكن للأجهزة الطبية التحدث بلغة الجسد ؟

تعتمد عالمة المواد جانان داغديفيرين CananDagdeviren في عملها المتميز و المتطورعلى أجهزة الاستشعار المرنة في تجاربها الشخصية

هل أصبح بإمكاننا حقاً أن نطور أجهزة طبية مبتكرة  بل و مصممة خصيصاً لترجمة لغة الجسد ؟

على الأقل هذا ما تعتقده و تؤمن به عالمة المواد جانان داغديفيرينCananDagdeviren والتي أطلقت مؤخراً مجموعة من الأبحاث الجديدة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT .

حاولت جانان التي كبرت وترعرعت في تركيا منذ طفولتها أن تحول المأساة والخسارة إلى أبحاث تتحدث فيها عن الأمل .

كانت اختراعاتها تشير إلى إمكانية العلماء إنتاج الكهرباء من الحركات التي تقوم بها أعضائنا .

بالإضافة إلى الكشف المبكر عن الأمراض من خلال التقاط الإشارات الأولى للمرض عبر التغييرات الدقيقة والطفيفة في الأنماط الفيزيولوجية المتعلقة بوظائف الأعضاء .

أو من خلال تتبع التغييرات التي تطرأ على الدماغ ضمن ظروف تدل على حالات تدهور أو انتكاسات عصبية .

عندما كانت جانان ( وتلفظ   JAH-naan) طفلة في أوائل التسعينات ، علمت بأن جدها كان قد توفي بسبب قصور في القلب وهو في الثامنة والعشرين من عمره  فقط .

و من أجل هذا أخذت على نفسها عهداً بأن تفعل شيئاً ، أي شيئ ، حتى تتمكن من معالجة الحالة التي كانت قد أصابت جدها .

وفي العقود اللاحقة تحديداً في أوائل عام 2014 ، و كجزء من بحثها الذي كانت تعده للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة إلينوي University of Illinois في أوربانا – شامبيان Urbana-Champaign ، قامت جانان هي و زملاؤها بكشف النقاب عن الأداة الطبية الحيوية الدقيقة ذات النتائج الكبيرة .

فقط بضعة سنتيمترات جانبية ، حيث يبدو الجهاز كما وكأنه ملصق ، يقوم هذا الجهاز بتحويل الطاقة الناتجة عن الحركات الطبيعية للأعضاء الداخلية – ضربات القلب ، توسع أو تمدد وانضغاط الرئتين في عملية الشهيق و الزفير ، ارتفاع الحجاب الحاجز – إلى كهرباء ، ليست بالشيئ الكثير ، و لكنها كافية لإنتاج قوة تستطيع تشغيل جهاز مزروع مثل جهاز تنظيم ضربات القلب و الذي يقوم بتنظيم ضربات القلب الغير منتظمة

تقول جانان  : " يحتاج اليوم جهاز تنظيم ضربات القلب إلى تغييره كل سبع سنوات مرة بسبب انخفاض طاقة البطاريات " .

مما يستلزم إجراء عمل جراحي من أجل هذا الغرض .

إن جهاز داغديفيرينDagdeviren’s device  والذي تم اختباره على الأبقار من أجل التأكد من خاصية الأمان في استخدامه بالنسبة للبشر والذي لم يصدر للأسواق بعد ، هذا الجهاز من شأنه أن يولد قوة كافية لتشغيل جهاز تنظيم ضربات القلب أو حتى أي جهاز مزروع أخر- من دون حاجته للبطاريات .

تم بناء جهاز داغديفيرن المنتج للطاقة على قاعدة مرنة لينة قابلة للتكيف . حيث يكمن سر نجاحه في ال  PZT ، أو ما نسميه تيتانات زيركوينت الرصاص lead zirconatetitanate ، وهو توليد الكهرباء بناء على التحفيز الميكانيكي piezoelectric  .

إن ذلك يعني أن هذا الجهاز يقوم بتوليد شحنة كهربائية صغيرة أثناء عملية انكماشه ( انثنائه) و عملية تمدده ( استرخائه ) .

على سبيل المثال ، من الممكن لصق هذا الجهاز بالرئتين - موصلاً تياراً ثابتاً–  حيث يقوم بتغيير شكله خلال قيام الشخص بعملية الشهيق والزفير ( التنفس ) .

لقد كانت أم داغديفيرين مصدر إلهام لابنتها في ابتكار جهازأخر . ففي عام 2012 ، اشتكت والدتها من مدى صعوبة علاج البشرة الجافة .

و على إثر ذلك تصورت داغديفيرين كيف يمكن للتكنولوجيا المساعدة في أمر كهذا .

فبينما يتقدم الناس في العمر ، تصبح بشرتهم أرق وأقل مرونة ، و يقوم الناس عادة باستخدام الكريمات المرطبة التي من شأنها أن تستعيد بعضاً من تلك المرونة المفقودة .

لذا ابتكرت داغديفيرينDagdevirenجهاز استشعار صغيرومرن وقابل للتمدد والمط ، كما و من الممكن لصقه كلصاقة تنثني مع الشخص كلما تحرك .

حيث تولد النانوريبونات PZT nanoribbons في الجهاز شحنات صغيرة تقوم بقياس ليونة الجلد ، و التي تشير إلى مدى الإماهة الموجودة في الجلد أي رطوبته ، و تدل أيضاً على مدى نجاح الكريم المرطب للجلد في عمله .

خلال عملية التصميم لهذا الجهازعملت داغديفيرين على استشارة أطباء الجلد الذين اقترحوا عليها إمكانية كشف هذا الجهاز لبعض أنواع سرطان الجلد خلال مراحله الأولى .

ماتزال براءة الاختراع في انتظار انتاج هذا الجهاز ، و قد عبرت بعض الشركات عن اهتمامها بتصديره للأسواق .

و لكن داغديفيرين كانت قد صرحت بأنها و مجموعة الباحثين العاملين معها في طور البحث عن وسائل و طرق بغرض تطبيق هذه التقنية على تطبيقات أخرى ، و أنه أينما حطت هذه الاختراعات رحالها ستبقى دائماً متجذرة بتاريخها الشخصي و خاص بعائلتها .

شرارة الفضول :

نشأت داغديفيرين بالقرب من البحر ، لذلك و من أجل جعل المشهد اليومي أكثر تنوعاً ، كانت تقوم عائلتها بين الحين والأخر برحلات إلى التلال المغطاة بالغابات بغرض التنزه .

تقول داغديفيرين بأن الفضل يرجع لإحدى هذه النزهات التي قدحت شرارة اهتمامها بالعلوم عندما كانت في السابعة من عمرها .

لم تكن داغديفيرين تقصد المعنى التصويري لكلمة شرارة sparked) ) .

في تلك النزهة قامت هي وأخوها بجمع الأخشاب من أجل إشعال النار ، عندما أشارت أمهما إلى بعض الصخور البيضاء ذات الحواف الحادة المحاطة بالورود .

ضربت الأم اثنين من تلك الصخور ببعضها معاً منتجة شرارات – هكذا كشفت أمها لها السرالذي جعل النار تندلع من الحجارة .

تقول داغديفيرين وهي في الثانية والثلاثين من عمرها : " لقد أحببت فكرة تشوه هذه المادة و خلق النار " ، " لقد كان الأمر مثيراً للغاية " .

كانت تجربة النزهة قريبة  جداً من شيئ ما قد قرأت عنه داغديفيرين سابقاً .

قبل ذلك ببضعة أشهر ، قدم لها والدها كتاباً يتحدث عن السيرة الذاتية للعالمة الفرنسية ماري كوري Marie Curie ، الحائزة مرتين على جائزة نوبل  و رائدة عصرها في مجال دراسة و فهم النشاط الإشعاعي .

ألهمت تلك القراءات داغديفيرين ، و لكن ليس بالطريقة التي كان والدها قد توقعها .

بل على العكس تماماً ، حيث أصبحت داغديفيرين أكثر افتتاناً بزوج العالمة الفرنسية ماري ، العالم بيير كوري Pierre ، و الذي صرحت داغديفيرين بأنه كان حبها و شغفها العلمي “scientific love.”. كان بيير و أخوه أول من وصف و صور مفهوم الكهروضغطية  piezoelectricity في عام 1880 .

تنحدر كلمة piezein من أصل يوناني و تعني الكبس أو الضغط “to squeeze or press,” حيث تقوم المواد التي تولد الكهرباء كرد فعل على التحفيز الميكانيكي الحركي piezoelectric materials بتوليد شحنة كهربائية عندما يتم ضغطها أو تشويهها  أو ضربها (سحقها ) – تماماً كضرب صخرتين معاً لإنتاج شرارة أو وميض .

و كطالبة جامعية في أعوامها الأولى في جامعة Hacettepe Universityفي أنقرة ، و لأن داغديفيرين كانت لا تزال تأمل في ابتكار شرارتها الخاصة بها ، فقد تخصصت في علم الفيزياء physics .

كان والدها قلقاً من من أنها لن تحصل على عمل ، و بأنها ستواجه أوقاتاً عصيبة كإمرأة تعمل في هذا المضمار ، ولكن داغديفيرين سرعان ما أثبتت شجاعتها في هذا المجال وكفاءتها . قامت داغديفيرين بدراسة المواد والفيزياء ( علم الطبيعة ) ، وتعلمت أن العلم وراء كل شرارة و وميض .

و بناء على ذلك قامت بتصميم أولى أجهزتها .

في عام 2008 ، في مؤتمر علوم المواد في بوسطن Boston ، لفت العالم و البروفيسور جون روجرز John Rogers انتباه داغديفيرين واصفة إياه ب ( ملك الأجهزة المرنة ) “king of flexible devices.”

الذي كان في ذلك الوقت يعمل في جامعة إلينوي  Illinois في أوربانا- شامبيان Urbana-Champaign .

قام مختبر روجرز بإنتاج مجموعة مذهلة من الأنظمة لأجهزة إلكترونية مصغرة متوافقة حيوياً مع أنسجة الإنسان ، حيث يستخدم فيها مواد لينة مرنة مثل البلاستيك والأنسجة الحية .

إن الكثير من هذه الأجهزة تلتصق بالجلد تماماً كما لو أنه وشم مؤقت .

شملت مجموعة الأدوات التي أنتجها مختبر روجرز كل شيئ إبتداء من الأجهزة الإلكترونية اللاسلكية التي تقوم بمكافحة العدوى البيكتيرية و من ثم تختفي وصولاً إلى البطاريات القابلة للمط ( المطاطية ) المصنوعة من أسلاك دقيقة بالغة الصغر مرتبة بحيث تشبه منفاخ ألة الأوكورديون الموسيقية accordion’s bellows .

تعتبر روجرزRogers إحدى شركات مختبرات بيل Bell Labs (و التي تعرف الآن بمختبرات بيل نوكيا Nokia Bell Labs  ) ، و قد اشتهرت هذه المختبرات في ذروتها بتحويل البحث العلمي إلى تطبيقات هندسية ذات تأثير اجتماعي واسع النطاق .

يقول روجرز إنه يدير مختبره الخاص بهذا الشكل ، من خلال تشجيع الطلاب للتركيز على اكتشافات علمية ذات صلة بأكثر من فرع من فروع المعرفة كما و يوجههم نحو التفكير بالتطبيقات  العملية لهذه الإكتشافات .

في هذه الفترة الذهبية لهذه المختبرات حطت داغديفيرين رحالها في إلينوي Illinois في مختبرات روجرز Rogers’ lab ، الذي بدا في الحقيقة أنه يناسبها تماماً .

يقول روجرز بأن العديد من الطلاب حاملي الشهادة الجامعية ( طلاب الدراسات العليا ) في المختبر من أمثال داغديفيرين كانت تقودهم تجاربهم الشخصية .

و يضيف روجرز قائلاً : " هناك حقاُ شيئ ما يحفز الناس عندما يقومون بالعمل على الأشياء التي من شأنها أن تفيد صحة الإنسان " 

" إذا أمكن لهذه الأجهزة أن تنقذ حياة جدتي ، عند ذلك فإنه لن يكون فقط جهاز يقوم بعمله -إنما سيكون له تأثير حقيقي و أعمق من ذلك بكثير " .

في عام 2014 ، انضمت داغديفيرين ، مع الدكتوراه التي حصلت عليها ، إلى مختبر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT laboratoryالتابع لـروبرت لانغرRobert Langer ، الذي يمزج عمله بين علوم المواد والتكنولوجيا الحيوية.

صممت مجموعته أساليب جديدة لنظم توصيل الدواء ، بالإضافة إلى طرق جديدة لهندسة الأنسجة .

قامت داغديفيرينDagdevirenبتصميم جهاز استشعار مرن ومطاطي يستخدم النانوريبوناتnanoribbonsلتوليد شحنات صغيرة لقياس مرونة الجلد،الذي يمكن أن يساعد في رصد التغيرات الطفيفة في الجلد.

تحت رعايةمختبراتجانان داغديفيرين / معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والإعلام CananDagdeviren/MIT Media Lab

يقول روجرز : " أنا أحب أن يعمل الناس على أفكار كبيرة والتي آمل أن تغير العالم ، وأعتقد بأنهم قد قاموا بفعل هذا مسبقاً ( أي تغييره) " .

وقد توسعت داغديفيرين في عملها ليشمل الأبحاث التي لها علاقة بزراعة الدماغ ، و أطلقت برنامجاً خاصاً للتعاون مع علماء أعصاب و مهندسين آخرين

" يقول لانغر  Langer: " لقد كانت داغديفيرين رائعة في القيام بمثل هذا النوع من الأعمال ((التعاونية )) " ، " إنها عظيمة و متقدة الذكاء و مبتكرة " .

الدينامو البشري (( المولد الكهربائي البشري )) :

يعتبر أحدث تصاميم عالمة الفيزياء داغديفيرين مستوحى من وفاة عمتها التي كانت محبوبة و قريبة منها جراء ورم دماغي خبيث .

يقوم جهازالإستشعارالجديد هذا ، والمزروع داخل الدماغ ، بمراقبة النشاط العصبي بشكل مستمر ، كما أنه يقوم بمهمة توصيل الدواء المستهدف .

إذا حدث و نجح هذا الجهاز في الإختبارات المعملية الشاملة و قدم للأسواق ، فإنه قادر على  تتبع تطور مرض باركنسون Parkinson’s diseaseأو مراقبة ورم خبيث و معالجته .

تقول داغديفيرين أن الجهاز الطبي المثالي عملياً  مريح و خفيف الوزن و غير مرئي .

و تتصف إختراعات داغديفيرين بأنها قابلة للمط و لينة (( ناعمة الملمس ))  هذا إلى جانب قوتها .

إنها مرنة بشكل كافي بحيث تصبح كصفيحة تغطي الأعضاء الحساسة بالغة الدقة ولكنها في الوقت نفسه أيضاً متينة بما يكفي أيضاً للعمل بأمان في مثل هذه البيئة المعقدة .

إنها لا تشبة تلك التقنية التي تصدر اصواتاً مزعجة كالصفير أو الطرطقة كما و أنها ليست من ذلك النوع الهش والمنتشر بشكل كبير و التي عادة ما نربطها بآلة دقيقة معدة لإنقاذ الحياة .

يقول روجرز Rogers و الذي يعمل حالياً في جامعة نورث وستيرن Northwestern University : "إنها تقوم بأشياء لا يمكن تكرارها باستخدام التكنولوجيا الإلكترونية التقليدية " .

و على الرغم من تعلقها بشكل كبير جداً بتعقيدات النانوالإلكترونيةnano-electronics ، إلا أن داغديفيرين ترى أن مهمتها الأساسية تكمن في ترجمة الرموز المخفية والمشفرة فيالبيانات التي تم جمعها من الجسم .

و قد صرحت داغديفيرين بأن طريقة فك تشفير هذه الرموز يكون من خلال المراقبة المستمرة .

إن معظم أنظمة قياس البيانات -معدل ضربات القلب ، ضغط الدم ، مستويات الجلوكوز ((السكر ))-تكشف فقط عن صورة لحظية خاطفة لشخص ما و لا تلتقط هذه الأنظمة كيفية تذبذب هذه المتغيرات .

إن بإمكان هذه الأجهزة المتصلة بشكل دائم بالجسم و التي تم تزويدها بمصدر طاقة لا ينفذ أن ترصد تدفقاً من بيانات معينة ، و هو ما تقول عنه داغديفيرين أنه ومن خلال هذه الأنظمة والأجهزة بات من الممكن شخصنة الطب بشكل فعلي .

لقد أصبح بإمكان العلماء و بمجرد فهمهم لما يقوله جسم ما أن يعرفوا كيفية الحفاظ عليها في وضعية التشغيل .

تقول داغديفيرين : " إنني أقوم بابتكار أجهزة قادرة على الإستماع إلى الجسم و ترجمة ما يقوله لنا " .

تم العرض على داغديفيرين بعد عملها في الأبحاث التي تلت حصولها على الدكتوراه مع العالم روبرت لانغر Robert Langer  مجموعتها البحثية الخاصة بها في مختبرات معهد ماساتشوستس للإعلام MIT’s Media Lab.

لقد أمضت داغديفيرين الشتاء الماضي و أوائل هذا العام وقتها في تجميع فريق من الباحثين ، وفي توظيف مديرين للمخابر و ترتيب براءات الإختراع المتعلقة بزراعة الدماغ .

(( كما أنها حصلت على إجازة في ديسمبر الماضي من أجل السفر إلى استوكهولم  لقبول جائزة العلوم و علم حياة المخابر المرموقة العلماء الشباب Science &SciLifeLab Prize for Young Scientists)) .

لدى داغديفيرين خططاً كبرى تتعلق بزراعة الدماغ ، وتقوم بتطوير أفكار حول أجهزة كهروضغطية تعتمد في عملها على توليد الطاقة من خارج الجسم  كتلك الناتجة عن حركات الركبتين و المرفقين .

إنها تطلق على هذه الأجهزة (مولدات الكهرباء البشرية الخارجية ) “human external dynamos” ، و هي مثال آخر على ترجمة لغة الجسد إلى صحة جيدة للإنسان .

 


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن