الدماغ
لماذا يصعب العثور على السعادة في الدماغ ؟

بدأت قصتي مع البروفيسور  كريس تشلمبرز Chris Chambers بسؤالٍ جريءٍ حول المكان الذي توجد فيه السعادة في الدماغ !! .. كيف يمكن العثور على السعادة في الدماغ؟

أذكر أنني حضرت من أجل لقاء البروفيسور تشامبرز  Chambers في جامعة كارديف Cardiff University اللطيفة بالقرب من مكتبه ، حيث اتفقنا على تناول الغداء هناك. و لدى دخولي، لوّح لي مرحباً في الركن الخلفي من المكان الذي كان جالساً فيه.  

والبروفيسور كريس تشامبرز  هو شاب أسترالي ذو طبع هادئ في أواخر الثلاثينيات من عمره . وعلى ما يبدو أنه كان يساير القوالب النمطية الثقافية بشكل كامل ، حيث كان يرتدي قميصاً وشورتاً فضفاضاً (رغم أنها كانت تمطر في الخارج) في ذلك الوقت. كما كان كريس أيضاً أصلعاً بشكل كامل إلى درجة أنها كانت لامعة " صلعته " . و قد قابلت العديد من الأساتذة  الذكور أصغر سناً لا يملكون شعراً على رؤوسهم، و و تتمحور نظريتي في أن أدمغتهم القوية الكبيرة تولد الكثير من الحرارة لدرجة أنها تحرق المسامات من الداخل.

سؤالي للبروفيسور تشلمبرز

على أي حال  قررت أن أدخل في صلب الموضوع وأقول له ما أردت منه فسألته : "هل يمكنني استخدام إحدى ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي خاصتك لفحص عقلي في الحالة التي أكون فيها سعيداً لمعرفة المكان الذي تأتي السعادة منه في الدماغ؟"

وبعد حوالي خمس دقائق من سؤالي له توقف الروفيسور أخيراً عن الضحك في وجهي. و لابد أن أقول هنا أنه وحتى الشخص الأكثر تفاؤلاً كان يجب أن يعترف بأن هذه لم تكن بداية جيدة للتعارف ، حيث أوضح لي البروفيسور تشامبرز بالتفصيل  لماذا كانت خطتي سخيفة لمدة ساعة أو نحو ذلك.

و في الحقيقة ، ليست هذه هي الكيفية التي يعمل بها الرنين المغناطيسي الوظيفي  fMRIأو كيف ينبغي أن يعمل. فعندما تم تطوير الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI للتصوير العصبي في فترة التسعينيات ، أو يمكن ما نسميها اليوم بـ "الأيام الخوالي السيئة"، كان هناك الكثير مما أطلقنا عليه "علم البلوبولوجي" Blobology ويقصد به: وضع الناس في الماسحات الضوئية والبحث عن "النقط" النشطة في الدماغ.

بدايات التعامل مع الماسح الضوئي fMRI

لقد كانت إحدى الأمثلة المفضلة على ذلك من أحد المؤتمرات الأولى التي ذهبت إليها، حيث كانت هناك دراسة يتم تقديمها بعنوان "التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي  fMRIفي لعبة " الشطرنج مقابل الراحة" Chess vs Rest . وفيها يكون هناك أشخاص يرقدون في الماسح الضوئي و هم يلعبون الشطرنج أو لا يقومون بأي شيء آخر. و يمكننا القول أنه وفي تلك الحالة كان الدماغ كله في حالة  نشاط، ولكن بطرق مختلفة للسيناريوهات المختلفة المتواجدة ، وفي سيناريو الشطرنج تحديداً ستظهر مناطق دماغية "نشطة" أكثر .

 و قد ادعوا من هذه الدراسة، أن هذه المناطق هي المسؤولة عن العمليات التي ترتبط أو تشارك فيها لعبة الشطرنج. إذ كان هناك الكثير من الاستنتاجات العكسية المطبقة : إذا كان هذا الجزء من الدماغ نشطاً ، ونحن نفعل هذه الأشياء في لعبة الشطرنج ، لذلك يجب أن تكون تلك المناطق مسؤولة عن تلك العمليات، حيث أنها تعمل بشكل عكسي وتظهر الدماغ وكأنه محرك سيارة ؛ وتدور الفكرة الرئيسية في أن كل منطقة في الدماغ يجب أن تقوم بفعل شيءٍ واحدٍ و شيءٍ واحدٍ فقط.

إن هذا النهج يؤدي إلى هذه الاستنتاجات الخاطئة ؛ ومنها أن  ترى النشاط في منطقة معينة في الدماغ وتحدد تلك المنطقة بوظيفة محددة .و لكن هذا يعد غير صحيح بالمطلق .

إذ تندرج وظائف متعددة من مناطق متعددة والتي يتم التعامل معها من قبل الشبكات المعرفية (الإدراكية). والأمر معقد جداً وتظهر هذه المشكلة في التصوير العصبي عموماً ، كما و ترتفع بدرجة كبيرة عندما تتعامل مع أي شيء شخصي مثل السعادة.

الأمر أكثر صعوبة بخصوص دراسة الأشياء المهمة في الدماغ مثل العواطف

على الرغم من مشاركتي الصريحة في الضحك على الحمقى الساذجين الذين اعتقدوا أنه يمكن استخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI لمعرفة من أي منطقة تحديداّ تأتي لعبة الشطرنج في الدماغ، إلا أنني كنت أموت من الحرج  في داخلي . إذ كنت آمل أن أفعل شيئاً مشابهاً للغاية، وكنت قد أصبحت بسبب استخدامي لمصطلح اكتشفته للتو: عالم بلوبولوجي blobologist . 

و قد تبين أنه ومن خلال استخدام أدوات التصوير لدراسة شيء مثل الرؤية ؛ يمكن التحكم بشكل موثوق فيما تراه موضوعاتك ، والتأكد من تقديم كل موضوع بنفس الصورة لضمان الاتساق، وتحديد موقع قشرة الدماغ البصرية ودراستها بهذه الطريقة.و لكن دراسة ما وصفه البروفيسور تشامبرز بـ "الأشياء المهمة" هو أمر أصعب بكثير؛ وهي الوظائف العليا مثل العواطف أو ضبط النفس.

لنركِّز أكثر في سؤالنا حول السعادة في الدماغ

إذاً فالسؤال ليس : "من أين تنبع السعادة في الدماغ؟ " إذ أن هذا يشبه طرح السؤال" أين يوجد تصور صوت كلب ينبح في الدماغ ؟ "..بل إن السؤال الأفضل هو : " كيف يدعم الدماغ السعادة؟" و ما هي الشبكات والعمليات المستخدمة المؤدية لذلك؟ ".

إن القيام بتجربة مع شخص واحد كما كنت أتمنى أن أفعله لا معنى له من الناحية العلمية.

 و قد تطرق البروفيسور تشامبرز أيضاً إلى مسألة أخرى وهي:

  • "ما هي السعادة في المعنى التقني؟ " 
  • "و ما هو الجدول الزمني الذي نتحدث عنه لتحقيقها ؟"
  • " وهل هي سعادة فورية، مثل "هذا نصف لتر لطافة !"؟
  • " أم أن السعادة تعتبر طويلة المدى وعامة مثل أطفالك الذين يسعدونك... أو عملك من أجل تحقيق هدف، أو تحقق الرضا في الحياة، أو الشعور بالهدوء والاسترخاء، يعني أشياء من هذا القبيل؟

 إنك تمتلك عدة مستويات من الأداء في الدماغ تدعم كل هذا، لكن كيف يمكنك تفكيك ذلك؟" 

وحتى الآن فقد تخليت عن كل أمل في القيام بفكرتي لتجربة غير مكتملة، ووافقت على ذلك إلى حد كبير. 

و أما البروفيسور تشامبرز فقد كان لطيفاً للغاية بشأن الأمر برمته، و ذلك على الرغم من مخاوفي السابقة من ضراوة الأساتذة الذين لربما سيواجهون تجربتي بفكرهم المتدني ، و قال إنه سيكون مستعداً للسماح لي بالمضي قدماً في الأمر حتى لو كان ذلك فقط لتقديم عرض مفيد لهذه التقنية. 

و لكن ، و لسوء الحظ فإن إدارة الرنين المغناطيسي الوظيفي باهظة الثمن بشكل لا يصدق ، كما أن العديد من مجموعات البحث تتنافس دائماً على استخدامها. ومن المحتمل أن يزعج  هذا الكثير من الأشخاص فيما إذا أهدر البروفيسور وقتاً ثميناً للماسحة الضوئية، و ذلك من خلال السماح لمهرج بفحص قشرة دماغه من أجل أن يبحث  عن مكان السعادة.

ومن أجل ذلك ، فقد فكرت في عرض دفع التكاليف بنفسي، إلا أنها كانت مرتفعة جداً. إذ ليس كل الكُتّاب مثل جي.كي رولينج J.K. Rowling  ، وبسخاء وكيلي الإعلامي صوفي Sophie عندما يتعلق الأمر بمعالجة النفقات المقدمة للناشرين، حتى أنهم قد يخفقون في مطالبة كهذه .

و قد قمت بحساب النفقات فكان علي أن أنفق 48 جنيهاً إسترلينياً للحصول على تذكرة قطار وخمسة 5 جنيهات استرلينية لشراء شطيرة و ثلاثة 3 جنيهات استرلينية لتناول كوباً من القهوة و ثلاثة عشرة ألف 13,000 جنيه إسترليني ليوم واحد من استخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي  fMRI. و بذلك لم أستطع رؤية أن هذه التكاليف سيسهوعنها قسم الحسابات و لن يلاحظها أحد.

و بدلاً من مجرد كتابة الاجتماع كسبب ضائع، قررت أن أسأل البروفيسور تشامبرز عما إذا كانت هناك أية قضايا أخرى تتعلق بنهج الرنين المغناطيسي الوظيفي  fMRIويجب أن أكون حذراً منها قبل أن أحاول إعادة صياغة أفكاري إلى شيء أكثر "جدوى".

واتضح أن البروفيسور تشامبرز هو شخص شديد النشاط والحرص و الحيوية عندما يتعلق الأمر بتسليط الضوء على القضايا والمشاكل التي تعاني منها دراسات التصوير العصبي الحديثة وعلم النفس بشكل عام. حتى أنه كتب كتاباً بعنوان "الخطايا السبع المميتة لعلم النفس" The Seven Deadly Sins of Psychology   و كلها تدورحول كيفية تحسين وضبط علم النفس الحديث.

مصاعب استخدام جهاز الرنين المغناطيسي لغرض إيجاد مكان السعادة في الدماغ

و لابد من التنويه إلى أن هناك العديد من المشكلات المهمة حول الرنين المغناطيسي الوظيفي التي أوضحت مدى صعوبة استخدام هذا البرنامج لإعداد تجربة لإيجاد السعادة. 

أولاً : وكما ذكرنا سابقاً فهو مكلف جداً. لذا فإن الدراسات التي تستخدم الرنين المغناطيسي الوظيفي تميل إلى أن تكون صغيرة نسبياً، وذلك باستخدام عدد محدود من الموضوعات. و تعد هذه  مشكلة جدية و ذلك نظراً لأنه كلما قل عدد الموضوعات التي تستخدمها قلت درجة عدم التأكد من نتائجك. بينما كلما زاد عدد الموضوعات المستخدمة زادت "القوة الإحصائية" statistical power لأي نتائج وزادت ثقتك في أنها صحيحة.

و لنفترض مثلاً بأنك ترمي حجر نرد، و أنه يمكنك دحرجته 20 مرة و 25% من تلك المرات التي دحرجتها سيظهر رقم ستة يعني في خمس مرات من الدحرجة. وهنا فقد تعتقد أن هذا غير محتمل إلى حد ما، ولكن لايزال ذلك ممكنا تماماً مع أنها لن تبدو مهمة. والآن ، لنقل أنك إذا قمت بدحرجة حجر النرد 20 ألف مرة، و 25%  من تلك المرات ظهر الرقم ستة، فهذا يعني أن رقم ستة قد ظهر 5000 مرة . الآن يبدو ذلك غريباً. 

ومن المحتمل أن تستنتج أن هناك شيئاً ما يتعلق بحجر النرد، و ربما تعتقد بأنه مزور أو محمل بشيء ما. كذلك الأمر فإنه مشابه لتجارب علم النفس، إذ يعد الحصول على نفس التأثير أو النتيجة في خمسة أشخاص أمراً مثيراً للاهتمام ، ولكن مع 5000 شخص ربما يكون هذا اكتشافاً رائداً.

 و من الجيد معرفة قبل أن أبدأ بالتجربة أن القيام بتجربة مع شخص واحد كما كنت أتمنى لا معنى له من الناحية العلمية .

ولقد بات من الواضح أن السعادة ، والشيء الذي يختبره الجميع ، ويريده الجميع ، ويشعر الجميع أنهم يفهمونه ، أكثر تعقيداً مما كنت أتوقعه.

ثانياً: لقد أوضح البروفيسور تشامبرز أن هذه النفقات تعني أيضاً تكرارعدد قليل جداً من التجارب. إذ أن الضغط على العلماء لنشر نتائج إيجابية (على سبيل المثال "لقد وجدنا شيئاً!" بدلاً من "حاولنا العثور على شيء لكننا لم نفعل ذلك!") هائل. 

كما أن هناك احتمالاً كبيراً لنشرهذه النتائج في المجلات، بحيث يقرؤها زملاؤه وغيره، لتحسين آفاق التوظيف وطلبات المنح وما إلى ذلك. ولكن من الأفضل أيضاً تكرار التجارب حيثما كان ذلك ممكناً ، لإظهار أن نتيجتك لم تكن مجرد حظ . و للأسف ، فإن الضغط على العلماء هو للانتقال إلى الدراسة التي بعدها، وإحداث الاكتشاف الكبير التالي، لذلك غالباً ما تترك النتائج المثيرة للاهتمام دون أي تحدٍ، خاصة مع الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI .

لذا ، و حتى لو تمكنت من تنفيذ تجربتي، فينبغي علي تنفيذها فعلياً مراراً وتكراراً بغض النظر عن النتيجة. وحتى لو أنها لم تعطيني البيانات التي أردتها، فهذا شيء آخر.

و قد تبين أن البيانات الصادرة عن الرنين المغناطيسي الوظيفي ليست واضحة كما تشير التقارير السائدة. 

و سنتحدث عن أي جزء من أجزاء الدماغ كانت "نشطة" أثناء الدراسة، ولكن كما أشارالبروفسور تشامبرز  بقوله: "هذا كلام فارغ فعلياً، إذ أن جميع أجزاء الدماغ نشطة في كل وقت ، فهكذا يعمل الدماغ . والسؤال هو: إلى أي مدى تكون هذه المناطق أكثر نشاطاً، وهل هي أكثر نشاطاً بكثير مما هي عليه عادة؟"

ومن أجل الوصول إلى معايير علم البلوبولوجي blobology ، عليك تحديد النقاط "ذات الصلة" على الماسحة الضوئية، و هذا هو السؤال الكبير عند القيام بشيء ما صغير ومحرج كمراقبة نشاط مناطق معينة من الدماغ. 

فبالنسبة للمبتدئين ، ما هو الشيء الذي يؤخذ بعين الاعتبار كتغير "مهم" في النشاط؟ وإذا أظهر كل جزء من الدماغ نشاطًا متقلباً طوال الوقت: 

كم يجب أن يزيد النشاط من أجل اعتباره ذو صلة؟ 

و ما هي البداية التي يجب على النشاط الوصول إليها؟ . 

إن أجوبة هذه الأسئلة يمكن أن تختلف من دراسة إلى أخرى. و يشبه الأمر إلى حد ما التواجد في حفل موسيقى البوب، لحضور أحدث النغمات ومحاولة معرفة من هو أكبر معجب من خلال الاستماع لأعلى صرخات المعجبين المفتونين، و هذا ممكن، ولكنه ليس سهلاً ويحتاج الكثير من العمل.

وهذا من شأنه كما أوضح البروفيسور تشامبرز أن يؤدي إلى قضية صارخة أخرى.

" ويمتلك الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI مشكلة كبيرة نسميها (درجة الباحثين في الحرية) ‘researcher degrees of freedom.

إذ أن الأشخاص غالباً لا يقررون كيف سيقومون بتحليل بياناتهم ، أو حتى السؤال الذي سيطرحونه في بعض الأحيان ، حتى بعد قيامهم بإجراء دراستهم. و يمضون قدماً ويستكشفون و هم يمتلكون ما يحلو للباحثين أن يطلقوا عليه مشكلة" حديقة مسارات الطرق "garden of forking paths’ problem  ، و فيها ستجد في أبسط دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي الآلاف من القرارات التحليلية التي يجب اتخاذها، وستغيركل واحدة منها النتيجة التي يحصلون عليها قليلاً. لذا فإن ما سيفعله الباحثون هو جمع بياناتهم في النهاية لإيجاد نتيجة مفيدة ". 

و السبب في حدوث ذلك هو وجود العديد من الطرق المختلفة لتحليل البيانات المعقدة، وقد توفر مجموعة واحدة من الأساليب نتيجة مفيدة بينما مجموعات أخرى لا يمكنها القيام بذلك. و قد يبدو الأمر غير موثوقاً ،حيث أن الأمر يشبه إلى حد ما إطلاق مدفع رشاش على الحائط ثم رسم هدف حول المكان الذي تتجمع فيه معظم ثقوب الرصاص ، و في النهاية ستزعم أنها تسديدة جيدة . وهذا ليس بالأمر السيء ، لكنه يسير على هذا النحو. و إذا كان كل من مهنتك ونجاحك يعتمد على تحقيق الهدف و إذا كان هذا الخيار متاحاً فلماذا لا تفعل ذلك؟

بعض الإضاءات حول الموضوع من قبل البروفيسور شامبرز

وقد كان ما سبق ذكره هذا مجرد غيض من فيض فيما يتعلق بجميع القضايا التي تأتي مع تنفيذ تجارب الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI . 

والجدير بالذكر أنه كان لدى البروفيسور تشامبرز إجابات وحلول محتملة لجميع هذه المشاكل، منها:

  • الإبلاغ عن طرق التحليل قبل القيام بها بالفعل.
  • و تجميع البيانات والمواضيع بين المجموعات لزيادة الصلاحية وخفض التكاليف.
  • وتغيير الطريقة التي يتم بها الحكم على العلماء وتقييمهم عند منح المنح والفرص.

و لابد أن أذكر هنا أن كل تلك الحلول الجيدة والصالحة لم تساعدني أبداً. إذ أنني جئت إلى هذا الاجتماع على أمل استخدام البعض من هذه التقنية العالية الباهرة لتحديد مكان السعادة التي تأتي من دماغي . إلا أنني و بدلاً من ذلك،  فقد ترك ذهني مترنحاً بسبب مشاكل لا حصر لها في العلوم المتقدمة، يرافقه شعورٌ غير سعيد بشكل واضح حول هذا الموضوع. 

البرغر Burger و السعادة

وللبرغر والسعادة على حد سواء نتائج نهائية مألوفة ولكنها ممتعة لشبكة معقدة تبعث على السخرية من الموارد والعمليات والإجراءات.

و في نهاية المطاف ، عاد البروفيسور تشامبرز إلى العمل ، و توجهت إلى منزلي محبطاً ، ورأسي يعجّ  بأفكار لا تعد و لاتحصى. ثم بدأت أفكر أنه سيكون من السهل نسبياً تحديد ما الذي يجعلنا سعداء ، ومن أين تأتي السعادة. و لقد اتضح أنه حتى لو كانت التقنيات العلمية التي كنت أتمنى استخدامها واضحة (وهي ليست كذلك بالفعل)،

فقد أصبح من الواضح أن السعادة هي شيء يختبره الجميع ويريده ، ويشعرون أنهم يفهمونه، إلا أنها أكثر تعقيداً مما كنت أتوقع.

إنني أرى السعادة كالبرغر، فالجميع يعرف ما هو البرغر ويفهمونه ولكن من أين يأتي البرغر؟ الإجابة الواضحة ستكون من "ماكدونالدز  McDonald’s " أو "برغر كينغ Burger King " أو أي مطعم آخر من اختيارك ، هكذا بكل بساطة. 

و يقدم البرغر أيضاً في الخبز buns ( و هي لفافة خبز تأتي بأشكال و نكهات مختلفة ، وعادة ما تكون محلاة وغالباً ما تحتوي على الفواكه المجففة).

والكعك مصدره مختلف وهو الخباز إن جاز الوصف الذي يحتاج إلى الدقيق والخميرة والعديد من المواد الخام الأخرى ( ربما حتى بذور السمسم لرشها في الأعلى ) ليتم عجنها معاً ووضعها في الفرن الذي يحتاج إلى وقود مستمر للحرق و إحداث حرارة لازمة للخبز، ولا تنسَ الصلصة (كميات كبيرة من الطماطم والتوابل والسكريات المعبئة والمجمعة بواسطة عمليات على المستوى الصناعي) ، و المقبلات garnish (حقول مخصصة لزراعة الخضروات التي تحتاج إلى حصاد ونقل وتخزين عبر البنية التحتية المعقدة).

وكل هذه الأشياء توفر فقط العناصر الأساسية للبرغر، و هي مازالت بحاجة إلى شخص لتجميعها وطهيها. 

وكل ذلك يتم عن طريق البشر الحقيقيين الذين يحتاجون إلى أحد يطعمهم ويسقيهم ويعلمهم ويصرف عليهم .

كما أن المطعم الذي يقدم البرغر بحاجة إلى الكهرباء والمياه والتدفئة والصيانة وما إلى ذلك حتى يعمل. 

وكل هذا التدفق غير المحدود للموارد والعمالة التي لا يستطيع الشخص العادي حتى أن يسجلها ينتهي إلى وضع البرجر على طبقٍ أمامك ، وقد تأكله وأنت غائب الذهن وتحدق في هاتفك.

قد يكون ما ذكرته عن البرغر استعارة مجازية معقدة ، ولكن هذا هو بيت القصيد . إذ أننا إذا نظرنا من كثب سيبدو أن البرغر والسعادة هما من النتائج النهائية المألوفة والممتعة لشبكة معقدة للغاية من الموارد والعمليات والإجراءات. و إذا كنت تريد فهم العملية كلها ، فيجب عليك النظر أيضاً في الأجزاء التي يتكون كل منهما.

لذلك ، لو كنت أريد أن أعرف كيف تعمل السعادة  كان علي أن أنظر إلى الأشياء المختلفة التي تجعلنا سعداء ومعرفة سبب سعادتنا. و من أجل ذلك فقد عقدت العزم على القيام بذلك مباشرة بعدما تناولت البرجر.

لا أعرف لماذا ولكن انتابني شعور بالشوق لفعل ذلك فجأة ....

توضيح:

(*) الدكتور دين بورنيت كاتب هذا المقال: هو عالم الأعصاب ، والمدرس و المحاضر في  مركز التعليم الطبي Centre for Medical Education في جامعة كارديف Cardiff University ، مؤلف ، مدون ، خبير إعلامي ، مراسل علمي ، و يشتهر بعموده العلمي الساخر Brain flapping في مجلة الغارديان Guardian ، و يشتهر أيضاً بكتابه المشهور عالمياً "الدماغ الأحمق" Idiot Brain. وهو أيضاً مؤلف كتاب "دماغ سعيد: علم من أين تأتي السعادة؟ ، و لماذا؟" Happy Brain: The science of where happiness come from, and why?. 

بقلم دين بورنت (*) DeanBurnett

المصدر

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل