الروائح
علم الروائح Aromatherapy

تحقيق علمي في إمكانية استخدام الروائح كأداة صحية مشروعة

إذا سبق لك و قمت  بإشعال شمعة معطرة بنية الاسترخاء  ، أوحتى قمت بغمس نفسك في حمام دافئ مفعم برائحة عطر اللافندر، فإنك و بشكل مسبق على دراية  بالتأثير الكبير و بالقوة السحرية التي تمتلكها الرائحة على المزاج. فمن بين الحواس الخمسة جميعها، تعد حاسة الشم، هي الأكثر ارتباطاً بالعاطفة والذاكرة - وعلى الأرجح -كما يعتقد العلماء – فإن ذلك يعود إلى أن مركز معالجة حاسة الشم في الدماغ يقع قريباً جداً من المناطق المسؤولة عن هاتين الوظيفتين ( العاطفة والذاكرة). وهناك مجموعة واسعة من الأبحاث التي تشير إلى أن الرائحة يمكن أن تؤثر علينا جسدياً أيضاً: فقد وجدت الدراسات المخبرية -على سبيل المثال- أن اللافندر lavender ( وهو شجيرة صغيرة بأزهار بنفسجية تستخدم في صناعة العطور) فعالٌ جداً في تهدئة الجهاز العصبي effective in calming the nervous system ، وقد ثبت أن النيرويلneroli  ( و هو زيت مستخرج من أزهار البرتقال) يعتبر كمنشط مهم، و له دور في زيادة ضربات القلب .

و بالتالي فإنه من المنطقي أن العلاج بالروائح العطرية - الروائح التي تستخرج  في معظم الأحيان من الزيوت الأساسية لتعزيز الرفاهية – هو أمر ذو أهمية كبيرة هذه الأيام. ومع تنامي الحوار الثقافي حول الرعاية الذاتية، فقد أصبح الناس يدمجون الرائحة بشكل متزايد في روتينهم الخاص بالاسترخاء أو للنوم، أو حتى للتركيز أو لتنشيط أنفسهم. و تشير بعض التقديرات إلى أن حجم السوق العالمي للعلاج بالروائح العطرية يبلغ 1,2 مليار دولار، و الجدير بالذكر أنه في الولايات المتحدة وحدها قد نما سوق الزيوت الأساسية بشكل مطرد خلال السنوات الخمس الماضية. و من المتوقع أن يستمر السوق في النمو بوتيرة ثابتة حتى عام 2025، مما يحول هذه المنتجات من العلاجات المنزلية الغريبة إلى واحدة من أكثر أدوات و منتجات الصحة ذات الأسعار المعقولة و التي غالبة ما تكون في متناول الجميع. وعلى عكس العديد من الممارسات الأخرى في هذا المجال، فإن تعطير منزلك برائحة معينة لا يتطلب الكثير من الجهد.

هناك أدلة تشير إلى أنه يمكن أن ينجح العلاج العطري إلى حدٍ ما ، و ذلك إذا أردت بالفعل التركيز عليه. فمن الأفضل فهم علم الروائح كدراسة في قوة الإيحاء، ويمكن أيضاً أن يكون هذا العلم هو الزناد العاطفي القوي نظراً لأن الرائحة مرتبطة بشدة بالذاكرة، إذ أن تأثير الرائحة المتوفرة يعتمد إلى حد كبير على الطريقة التي جربتها في الماضي (ذاكرة الرائحة).

و لكن إلى الآن يعتبر البحث في العلاج العطري محدود إلى حد ما، وقد تضمنت نشرة Review لعام 2012 أن العلاج العطري لم يثبت بأنه علاج ناجع لأي حالة طبية قابلة للتشخيص. وعندما يتعلق الأمر بتحسين الحالة الذهنية أو العاطفية للناس، فقد أسفرت الدراسات عن نتائج مختلطةMixed results ، و لكن العديد منها تشير إلى المعتقد (في الروائح العطرية) على أنه هو المسبب الأساسي: فإذا كنت تعتقد أن الرائحة ستجعلك أكثر سعادة أو أكثر هدوءً أو أكثر شجاعةً، فمن المحتمل أن تحقق لك ذلك. ففي عام 2004 على سبيل المثال وجدث إستل كامبيني Estelle Campenni أستاذة علم النفس PsyD a professor of psychology  في جامعة ماريوود Marywood University أن استجابتنا العاطفية للزيوت الأساسية لها في الواقع علاقة أكثرو ارتباطاً أعمق بمعتقداتنا و ذلك بالمقارنة مع الزيوت نفسها. و عندما صنفت إستل كامبيني Estelle Campenni زيت اللافندر على أنه زيت يفيد في الاسترخاء، فقد كانت النتيجة أن معدل ضربات القلب للمشاركين كان يبطأ باستمرار، بينما عندما قدمت النيرويل -الزيت المستخرج من أزهار البرتقال- للمشاركين كمنشط كان تأثيره عكسي. و عند إجراء التجارب بشكل مختلف قامت إستل كامبيني Estelle Campenniبتبديل التصنيفات بين العطرين حيث أخبرت المشاركين بأن اللافندر منشط و النيرويل neroli مرخي كان رد معدل نبضات قلوبهم ينبض وفقاً لذلك.

و من الناحية الفنية، تمنع إدارة الغذاء والدواء شركات النفط الأساسية من التسويق أو المطالبة بنتائج صحية محددة. إلا أن الكثير من المصنّعين قد أظهروا إمكانات منتجاتهم العقلية أو العاطفية: وعلى سبيل المثال ، فإن شركة الزيوت العملاقة " يونغ ليفينغ-العيش كشاب" Young living والتي حققت مبيعات بقيمة مليار و نصف المليار 1.5 دولار في عام 2017 تعمل على تعزيز " الرفاهية العاطفية" مع الزيوت التي تحمل اسماً للتجارب العاطفية الإيجابية مثل الشجاعة والانسجام والذات الأصلية للشخص. بينما تقنية أروما للحرية Aroma Freedom Technique  التي ابتكرها عالم النفس السريري بنيامين بيركوس Benjamin Perkus طالبت بالمساعدة في معالجة الصدمات من خلال شم رائحة الزيوت العطرية في بيئة تشبه العلاج، وجادل بيركوس Perkus أنه يمكن للناس أن يتعلموا فصل الذكريات المؤلمة عن الاستجابات المثيرة للقلق.  

يتفق الخبراء على أن مثل هذه الادعاءات مبالغ فيها، فيقول كيث همفريزKeith Humphreys, Ph.D أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد: أنه "قد يشم شخص ما نبتة الزنبق ويتذكر جنازة والديه ويمر بتجربة عاطفية – هذا قد يحدث طوال الوقت، مضيفاً ، أنه بالتأكيد هذه الرائحة مرتبطة بذكرياتنا، لكن هذا لا يعني أنها ستغير الدماغ".

و في حين أن التحول في الحالة المزاجية الناجم عن الرائحة بعيد كل البعد عن تشكيل مسارات عصبية جديدة، تقول كامبيني Campenni  :إنه لايزال بالإمكان اعتبار العلاج بالروائح العطرية أداةً مساعدة، و مفيدة للصحة العقلية وتقول أيضاً : بالنسبة لي فإن الخطر يكمن في أن الناس يساوون بين التغير في حالة الاسترخاء مع التغير في حالة القلق أو الاكتئاب، وهذه قفزة كبيرة. ولكن عندما يتعلق الأمر بتغيير الحالة المزاجية، فإن استخدام الرائحة أمر منطقي - ويمكن أن يكون تعزيز العلاج النفسي لتسهيل التغيير في الحالة أمراً فعالاً. و تضيف كامبيني إنه" باختيار الروائح التي يعتبرها معظم الناس مهدئةً، أو مبهجة، يمكن للمعالجين استخدام العلاج العطري لخلق بيئة دافئة وهادئة لعملائهم".

إن سلطة الممارسة يمكن أن تساعد أيضاً في إقناع العملاء بالقبول بهذه الروائح. و قد أشارت كامبيني Campenni إلى أنه إذا أخبر أحد المعالجين وهو مصدر موثوق به، المريض أن ما قد يشتمه من رائحة قد يجعله يشعر بشكل معين ، فإن قوة إيحاؤه ستكون أقوى بكثير في جعله يشعر بذلك.

وبالمثل، يقول همفريز Humphreys إن الزيوت يمكن أن تستخدم كنوع من الدعامات التي تضيف إحساساً بالجاذبية لجلسة العلاج، مسببةً بذلك اعتقاداً بالنجاح لدى العملاء– وهذا يشبه إلى حدٍ كبيرٍ الآلية التي تُسهِّل بها زخارف مكتب المعالج و تدعم بيئة الثقة مع العميل.  و في نفس الوقت يمكنك أن تقارن ذلك مع مكتب الطبيب النفسي التقليدي مع ما يحتوي من أريكة جلدية وشهادات معلقة على الحائط، و التي تهيئ الناس للتغيير بالطريقة نفسها".

إذاً فالعلاج العطري هو طريق أقل وضوحاً من ممارسة المغامرة التي تختارها بنفسك. وعلى الرغم من أنه لم يثبت -حتى الآن- دقة و صحة العلاج العطري كعلاج للصحة العقلية ، إلا أنه يمكن أن يعد كطقوسٍ قوية لتخفيف أمراض معينة، سواءً في المنزل أو في بيئة أكثر تنظيماً. و

تنهي كامبيني  Campenniقائلةً : "إن عقولنا ترتبط بأجسادنا، لذا فإن ما نعتقده حول الرائحة يمكن أن يتجاوز خصائصه الفعلية". و بالتالي عليك "بالتفكير ملياً عندما تشتري شمعة تصنف بأنها" للإسترخاء "أو" للجسم " فبالتأكيد سيكون هناك دائماً اقتراح و تفسير بسيط معها. و لهذا السبب ظهر العلاج البديل – لأن الناس تصدق ما هو مكتوب و تجري خلفه.

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل