ذاتك
اعرف ذاتك المستقبلية لتكون أفضل في التخطيط

كتب عالم النفس هال هيرشفيلد Hal Hershfield:" قد تسمح رؤيتك لـ ذاتك المستقبلية كشخصٍ مختلف عنك، وإن كان شخصاً تشعر بقربه من ذاتك الحالية، باتخاذ قراراتٍ أكثر صموداً على المدى الطويل
و لا شك أن مفهوم "الاستمرارية الذاتية Self-continuity" لا يحظى بالتقدير المناسب، إلا أنه يعد استراتيجيةً فعاّلة في اتخاذ القرارات.

و عادةً  ما يستدعي التفكير في المستقبل نوعاً غريباً من التنافر المعرفي cognitive dissonance: حيث تكون لدينا جميع أشكال التوقعات، والآمال،

والمخاوف بشأن المستقبل – غير أن الصورة التي سنصبح عليها تظل ضبابيةً بالنسبة لنا .

حيث يكتنف الغموض الكثيرين منا لدى تفكيرهم بشأن ذواتهم المستقبلية، بل إنهم حتى قد يرون أنفسهم آنذاك كأشخاص غرباء عنها .

بيد أن هذه النظرة تعد دقيقةً جزئياً. وقد وجدت إحدى أطول الدراسات زمنياً التي تدرس الشخصية أن صفاتنا الستة الجوهرية تتغير تماماً ما بين المراهقة والشيخوخة.

إلا أنه وبالنسبة للكثيرين منا، فإن صعوبة تصورنا لما سنكون عليه بعد 5 سنوات، أو بعد 50 سنة، تنشأ نتيجةً للأخطاء الناجمة عن التحيزات المعرفية cognitive biases – والتي بدورها تشوّه طريقة إدراكنا للعالم ولموقعنا بداخله.


مصيدة "قصْر النظر" اتجاه المستقبل

من المعلوم أنه لا يوجد من هو محصنٌ تماماً ضد الوقوع في شرك التحيز الناجم عن قصر النظر، والذي هو ملازمٌ بدوره لنوعنا البشري في الأساس. 

 و هنا يقول دانييل غيلبرت Daniel Gilbert ، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "التعثر بالسعادة Stumbling on Happiness "، أثناء حديثه على منصة (تيد)

" لقد تطورت عقولنا للتعامل مع عالمٍ مختلفٍ كلياً عن ذاك الذي نعيش فيه". ويضيف: "

كما تطورت عقولنا من أجل التواجد في عالمٍ يعيش فيه الناس داخل مجموعاتٍ صغيرة للغاية؛ حيث يندر أن يقابلوا من هم مختلفون عنهم جذرياً؛ ويعيشون بالأحرى حيواتٍ قصيرة تُتاح لهم فيها القليل من الخيارات،  حيث تتجلى الأولوية العظمى لديهم اليوم في الطعام والتزاوج."

ومع ذلك  ، هناك بعض السبل التي بإمكانها التغلب على هذا الانحياز. كلما زاد ارتباطك بذاتك القديمة –و ذلك  كلما استشعرت أن المستقبل ما هو إلا امتدادٌ مباشر لهويتك الحالية – وكلما كنت أكثر حماساً لاتخاذ قرارات حصيفة و حكيمة ستساعدك لاحقاً. 

و قد عكف هال هيرشفيلد Hal Hershfield  -عالم النفس بجامعة كاليفورنيا the University of California بلوس أنجلوس Los Angeles  - على دراسة مفهوم الذات المستقبلية لأكثر من عقدٍ من الزمان.

وفي عام 2009، قام هو وزملاؤه بجامعة كاليفورنيا باستطلاع آراء مجموعة متنوعة من البالغين العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و86 عاماً عن مدى ارتباطهم بذواتهم المستقبلية، من منظور مالي.

حيث وجد الباحثون أن الأشخاص الذين أعربوا عن شعورهم بالتقارب من ذواتهم المستقبلية هم الذين تمكنوا من جني ممتلكاتٍ أكثر.

كما وجدت دراساتٌ أخرى أن الاستمرارية الذاتية تجعل الناس خلوقين أكثر، وأشد ميلاً نحو اكتساب عادات صحية مفيدة مثل ممارسة الرياضة بانتظام.

كما كتب هيرشفيلد Hershfield  مؤخراً في جريدة (الرأي الحالي في علم النفس  Current Opinion in Psychology): " قد تسمح رؤيتك لذاتك المستقبلية كشخصٍ مختلف عنك، وإن كان شخصاً تشعر بقربه من ذاتك الحالية، باتخاذ قراراتٍ أكثر صموداً على المدى الطويل.

" وأضاف: "غير أن رؤيتك لذاتك المستقبلية البعيدة كشخصٍ غريب عاطفي، قد ينتج عنها مع ذلك قراراتٌ تعطي الأولوية لليوم عن الغد."  


تخيّل ذاتك المستقبلية، ثم أكتب لنفسك خطاباً         

وجد البحث الذي عمل عليه (هارشفيلد) أن تطوير الاستمرارية الذاتية يمكن أن يكون أمراً مغرقاً في البساطة. وتتضمن إحدى الاستراتيجيات لفعل ذلك خدعةً تصوّرية visualization trick  تنص على مايلي : اقتطع من وقتك دقيقة وحاول تخيل نفسك بعد 10 أو 20 عاماً من الآن

(لقد اشتملت الدراسات على تصورات محوسبة لأعمار وجوه المشاركين، لكن لا ضير من استخدام مخيلتك أيضاً).

اجعل هذه الصورة حيةً، وإيجابيةً، ومحددة: الآن كيف يبدو هذا الشخص؟ ماذا يحب؟ ما هي دوافعه؟ ما الذي يبهجه؟ 

بعد ذلك ، حاول كتابة خطابٍ لذاتك المستقبلية. وأخبر صديقك الجديد بالمراسلة عن نفسك الحالية وعن الشخص الذي تأمل أن تصبح عليه مستقبلاً ، وتخيل بماذا يمكنه أن يجيبك. 

و أوصيك أن تقوم بفعل ذلك بانتظام، وفي النهاية، ستبدأ في الشعور بنوعٍ من القرابة لهذا الشخص الذي رسمته في مخيلتك. وكلما ازداد شعورك بالارتباط بذاتك المستقبلية، كلما ازدادت قدرتك على توقع ما الذي سترغب فيه هذه الذات وتطمح إليه.

و ربما تبدو تلك التمارين سخيفة بعض الشيء، إلا أنها تجعل الأمور الافتراضية أكثر واقعيةً. فهي تمدك بنقطة نهاية، بهدفٍ تسعى لتحقيقه، وبإرتباط تخوض فيه وهو : هذا الشخص الذي ستكون عليه، وأنت تريد التأكد من أن هذا الشخص سيكون سعيداً عندما تتجسد فيه أخيراً.

وسيصبح فجأة الأثر المضاعف لقراراتك الحالية جلياً و واضحاً تماماً.


كن عطوفاً و لطيفاً مع نفسك الحالية

وخلافاً لما قد تظن، فإن أحد أفضل القرارات التي يمكنك اتخاذها بالنيابة عن ذاتك المستقبلية هي أن تكون رحيماً بنفسك في الحاضر.

فإذا كنت غير متصالحٍ مع نفسك الحالية، فسيكون من الصعب استحضار ارتباط إيجابي مع ذاتك المستقبلية، أو حتى امتلاك دافع لاعداد ذاتك المستقبلية للنجاح.

وهذا لا يعني أنه يجدر بك التسليم بكل فعلٍ ينم عن قصر النظر و الخضوع له  – أي فقط عندما تواجه تجربةً مختلفة (كخيبة الأمل، أو الرفض، أو الفشل)، يتعين عليك التحدث مع نفسك بلطفٍ بدلاً من أن تزدريها.

و قد كشفت دراسةٌ حديثة أن الطلاب الذين وصفوا أنفسهم بلطف بينما كانوا يكتبون عن حدثٍ سيء مروا به مؤخراً، قد امتلكوا رؤيةً أكثر إيجابية للمستقبل أكثر من غيرهم من الطلاب الآخرين الذين خُصصت لهم مهمة كتابية أخرى.

و هكذا ، فإن الباحثين وباستمرار يتوصلون إلى أن الأشخاص الذين يداومون على التعامل بامتنان ورحمة مع أنفسهم تكون حيواتهم إيجابيةً، كما أنهم يقومون بالعناية بصحتهم وعلاقاتهم على نحو أفضل ، مقارنةً بغيرهم ممن لا يقومون بذلك . 


ابق متزناً في هذه اللحظة

عندما تتفاعل مع خبراتك العاطفية التي تخوضها في الوقت الحاضر باهتمامٍ أكبر – وهي المهارة التي تُعرف بالتركيز الذهني الكامل mindfulness – فإن ذلك يُمكّنك من تحسين كيفية استجابة ذاتك المستقبلية للأزمات التي قد تواجهها بشكلٍ أفضل .

و في عام 2008، أجرت مجموعة من الباحثين في "جامعة ولاية كينت Kent State University " مقابلاتٍ مع 188 طالباً جامعياً قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية،  حيث كانوا يقومون بتقييم مستويات التركيز الذهني الكامل للطلاب، و يسألونهم عن توقعاتهم بشأن قوة استجابتهم العاطفية في حال فوز أو خسارة مرشحهم المفضل.

و قد وجد الباحثون أن الطلاب الذين تعاملوا باهتمام أكبر مع أفكارهم ومشاعرهم كما كانت في الواقع، كانوا أقل عرضةً للوقوع في شرك انحياز التأثير impact bias ، وهو الميل إلى المبالغة في تقدير طول أو شدة الحالات العاطفية المستقبلية.

 و قد كتب الطلاب: "قد ينشأ اتخاذ القرارات الصحيحة عن إدراك الشخص أن عواطفه، سواءٌ كانت إيجابية أو سلبية،و هي لا تتجاوز كونها مجرد مشاعر عابرة بالضرورة .

" وبالفعل فإن المبالغة في تقدير مشاعرك بخصوص حدثٍ معين (مجروحاً، أو غاضباً، أو متحمساً) يمكنها أن تدفع بك إلى ملاحقة وتجنب الأشياء الخاطئة.

غير أن القدرة على تبيان الطريقة التي تتعاطى بها مع الأشياء بوضوحٍ في الوقت الحاضر تساعدك على التخطيط للشهور، والأعوام، والعقود التالية من عمرك وفقاً لذلك.



عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.  


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

قوة التفكير في المستقبل لحياة صحية

تقدير الذات : حتى تحقق النجاح .. انسى احترام الذات!

ما هو طموحك و ماهي تطلعاتك للمستقبل ؟


 


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن