الدماغ
لماذا لا نستطيع أن نفهم الدماغ بشكل صحيح؟

لعدة عقودٍ ، كان من المفروض على الدماغ البشري أن يكون متميزاً ومتفوقاً على أدمغة الثدييات الأخرى. ولم يكن هذا النوع من الخصوصية، موضع تساؤلٍ على الإطلاق.

حتى أن الحقائق الأساسية ، مثل التأكيد على أن الدماغ البشري يحتوي على 100 مليار خلية عصبية ، تم التوصل إليها باستهتار مدهش .

وفي حديث مثير للاهتمام مع TED لعام 2013 ، قدمت عالمة الأعصاب البرازيلية سوزانا هيركولانو-هوزل  Suzana Herculano-Houzel توضيحاً لأول مرة حول العديد من القضايا الأساسية.  

إذ أنها و بعد أن ابتكرت طريقة لإذابة أغشية خلايا الدماغ بحيث بقيت النواة  nuclei فقط ، و عزلتها ليتم حسابها، و قررت أن الدماغ البشري يحتوي على 86 مليار خلية عصبية neurons ، أي أكثر من أي رئيسيات أخرى primate.

وعلى الرغم من أن الدماغ البشري هو جزء صغير من إجمالي وزننا ، فإنه يستخدم 25% من استهلاك السعرات الحرارية اليومية للشخص.

قد تتفاجأ أن العقل البشري ليس استثنائياً أو مميزاً

قد يبدو هذا حقيقة عرضية أو مجرد صدفة  ، و لكن البروفسورة هيركولانو هوزيل تجعلها حجر الزاوية في حجتها ، التي تعلن  فيها أن الدماغ البشري ليس استثنائياً أو مميزاً.

وتقول إن لدينا أدمغة رئيسية تتناسب مع أقاربنا الرئيسيين مثل الشمبانزي والغوريلا. ولكن في انحراف و تشوه تطوري غريب ، لا تستطيع الشمبانزي والغوريلا تحمل الحمل أو المقدارمن السعرات الحرارية في المخ الهائل بسبب تناول الطعام الخام .

فعادةً ما تتغذى القردة الضخمة لمدة ثماني ساعات في اليوم للحفاظ على جسمها الكبير ، وبمرور الوقت ، تم انتقاء خيار لتفضيل جسم كبير للغاية به عدد أقل من الخلايا العصبية.

أما في الانسان العاقل "هوموسابينس" Homo sapiens ( وهي الأنواع الرئيسية التي ينتمي إليها البشر الحديثون) فقد حدث العكس. إذ أننا اخترنا جسماً صغيراً وعقلاً كبيراً ، خاصةً الدماغ الأعلى المسؤول عن تفكيرنا المتفوق. 

الطهي كان هو البداية

وفقاً لتفسير هيركولانو هوزيل Herculano-Houzel ،فقد أصبح هذا الخيار ممكناً من خلال اختراع الطهي  Cooking. حيث أن طهي الطعام الخام يشبه إلى حد كبيرالعملية التي تحدث قبل هضمه خارج الجسم ؛ فالطعام المطبوخ أسهل في عملية الهضم  ، ويحتوي على الكثير من العناصر الغذائية بالوزن أكثر من الطعام الخام ، كما أن تناوله يستغرق ساعات أقل .

ويمكنك الحصول على مقداركبير من السعرات الحرارية ليوم كامل مع زيارة لمدة 15 دقيقة لسلسلة من مطاعم الوجبات السريعة.

و لتفسير ما قلناه سابقاً، إليكم الأمر: لقد أدى الطهي إلى وجود هذا العدد الهائل من الخلايا العصبية cognitive capacity التي نملكها ، والتي بدورها سمحت لقدرتنا الإدراكية الهائلة في التطور في طفرة نمو أخذت الدماغ البشري الباكر hominid brain (أسلاف الإنسان)على منحنى شديد الارتفاع منذ مليون و نصف المليون 1.5 سنة مضت منذ اكتشاف النار.

ولكن على الرغم من أن هذه الفرضية مثيرةٌ للاهتمام ، وبقدر أهمية النار بالنسبة لتطور الإنسان ، فإن الأمر برمته لم يصمد. وبادئ ذي بدء ، إذا بدأنا مع أسلافنا البشر ذوي أدمغة الرئيسيات غير المتطورة ، فكيف كانت مثل هذه العقول ذكية بما يكفي لاكتشاف النار؟ .  

و لم يقم أي سلف رئيسي أعلى بفعل ذلك ، وقد كان لديهم سابقاً أدمغة كبيرة على سلم الثدييات mammalian ladder . 

أما الأمر الثاني : كيف يرتبط عدد الخلايا العصبية بأي علاقة بالقدرات العقلية التي أوجدت الحضارة ؟  إذ يمتلك الكثير من الأشخاص المجموعة الكاملة المكونة من 86 مليار خلية عصبية neurons ولكنهم يعيشون حياة عادية تماماً.

فهؤلاء الأشخاص لم يعمدوا إلى استغلال قدرتنا اللانهائية تقريباً للإبداع. فهم يعيشون حياتهم فقط من خلال العمل وتربية الأسر.

و لقد واجهت الثقافات البدائية تحديات هائلة لمجرد أن تفعل الشيء نفسه ، ولم تترك أي وقت تقريباً للفن art ، والموسيقى music ، والاختراع invention ، والاكتشاف discovery ، والفلسفة philosophy ، والدين religion ، وغيرها من مستلزمات أو ملحقات الحضارة. و إذاً : 

لماذا وكيف يمكن لمجموعة من خلايا الدماغ ، حتى المجموعة الضخمة ، أن تقرر اتباع هذا المسار؟

يرجع تاريخ أقدم تمثيل  لشخصية الإنسان في شكل منحوت ليس إلى الإنسان العاقل المبكر early Homo sapiens ولكن إلى الإنسان المنتصب "هومو أريكتوس" Homo erectus ،و ذلك في مكان ما بين مئتان و خمسون ألف 250,000 و سبعمائة و خمسون ألف 750,000 سنة مضت. وهناك أدلة على أن البشر البدائيون "النندرتال" Neanderthals  قد قاموا:.

  • بدفن موتاهم في قبور موجودة في الكهوف
  • وارتدوا المجوهرات المزخرفة
  • بل و ربما قاموا بالاحتفالات الدينية أيضاً .

لا يوجد أي سبب مُلحٍّ أو طارئٍ يدفع الدماغ للاختراع!!

إذا توقفت عن التفكير في الأمر ، فليس هناك أي سببٍ مُلحٍّ أو طارئٍ يدعو لأن يكون الدماغ بحاجة إلى اختراع العجلة wheel  أوصناعة الفخار pottery - فالسكان الأصليون الأستراليون Australian aborigines كانوا موجودين بين 45,000 و 60,000 عام ، وهي أطول ثقافة أصلية (فطرية و طبيعية) مستمرة على الأرض ، دون أي من هذه الثقافات.

و تكمن مشكلة إسناد الإنجازات البشرية إلى أدمغتنا الكبيرة في أن العلوم العصبية  neuroscience في المستويات الدنيا تفترض أننا دمى دماغية brain puppets .

و قد يبدو الأمر بسيطاً بشكل يبعث على السخرية ،إلا أن مثل هذا القول  يشبه أنه بدون راديو لا يمكنك شرح الموسيقى. و يعتبر وضع الجهاز في البداية خطأً واضحاً ، إذ أنك لن تعتقد أن علماً متقدماً مثل علم الدماغ سوف يرتكبه -و لكنه حصل.

و هكذا تصبح معادلة  الدماغ Brain  = العقل Mind   يضع الجهاز أولاً. إما أن الدماغ  قد خلق العقل أو أنهما قد تطورا في علاقة غامضة.

ونظراً لأن العلم يدور حول إزالة الألغاز ، فإن عدم القدرة أو العجز في تحديد مدى ارتباط المخ بالعقل كان محبطاً للغاية.

وكاختصار ، لماذا لا نقول أن الدماغ brain  خلق العقل mind ؟ 

إن هذه الفرضية قد تخطت جميع الخطوط الحمراء الفلسفية . ومع ذلك ، وعلى الرغم من الراحة التي تجلبها إلى أبحاث الدماغ ، فلا يوجد أي دليل على أن الدماغ يخلق العقل.

كما أنه و في أي لحظة ، لا يمكن لأي شخص أن يوضح كيف أن الخلايا المكونة من الحمض النووي DNA نفسه مثل خلايا القلب والكبد والرئة قد تعلمت التفكير بطريقة ما. 

و يمكننا القول أن الفكرة ذاتها التي تقول بأن الدماغ فارغ ؛ هي تماماً مثل القول أن البيانو يفهم موتسارت Mozart .

إننا لن نفهم الدماغ بشكل صحيح حتى نتبع المسار الثاني و نقوم بتفحص لغز كيفية ارتباط العقل والدماغ ببعضهما البعض. 

إذ أنه من الخطأ افتراض أن خبراء الدماغ هم أيضاً خبراء عقول ؛ إنهم حتماً ليسوا كذلك . و يمكننا القول أنه و من خلال تبني الافتراض الخاطئ بأن الدماغ هو العقل ، لجميع الأغراض العملية ، فقد أهمل علم الأعصاب الطبيعة الحقيقية للذكاء والإبداع والحب والفن والرحمة والخبرات الروحية والتطور العالي . 

حيث أن هذه الأشياء تنتمي إلى تطور العقل البشري ، كما أنها تبقى محيرة  و مذهلة تماماً إذا كنت تحدق فقط في الخلايا العصبية من خلال المجهر.

و من خلال إدراك  ذلك ، فهناك حركة لمواجهة الغموض الحقيقي ، وهو الوعي consciousness  نفسه. إذ أنه ومن غير الممكن إظهار الوعي بأنه شيء مخلوق. فالدماغ شيء مخلوق - يمكننا متابعة تطوره المادي بدقةٍ كبيرةٍ الآن. ولكن و في أي لحظة فإن الوعي يظهر من "المواد stuff "  المادية للخلق.

و قد يكون ، كما يجادل بعض المنظرين ، أن الوعي هو شيءٌ فطري في الخلق. و لقد كان موجوداً دائماً هناك. 

إلا أن المفارقة تكمن في أنه و بمجرد أن نولي اهتماماً جاداً للوعي ، الذي سيكشف سر كينونة الإنسان ، فسيكون الوعي هو الذي يشرح و يفسر الوعي لنفسه.

في موقع بوابة SF - في 25 فبراير 2019

بقلم ديباك شوبرا Deepak Chopra ، دكتوراه في الطب

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل