تركواز بوست ذكريات قديمة
ذكريات قديمة : هل تستطيع الوثوق بذاكراتك؟

ذكريات قديمة... ربما تكون مجرد ذكريات غير صحيحة و ربما تكون كاذبة، كشفت عالمة النفس إليزابيث لوفتوس  

Elizabeth Loftus

عن ذكريات كاذبة في عدة حالات  للاعتداء الجنسي التاريخية. و هي تؤكد الآن أن هناك أسباب جديدة لعدم الثقة بذاكرتك .

و لم يقم أحد أكثر مما قامت به إليزابيث لوفتوس

Elizabeth Loftus

لفضح أخطاء الذاكرة البشرية. ففي تسعينيات القرن الماضي ، ووسط ذعر متزايد حول مزاعم حلقات الاعتداء الجنسي الشيطانية على الأطفال ، أوضحت عالمة النفس مدى سهولة تطوير ذكريات زائفة للأحداث التي لم تحدث أبداً. حيث أن كل ما تطلبه الأمر هو الطلب منهم و بشكل متكرر تخيل هذه الحوادث . كما أنه و في ذلك الوقت ، كانت هذه تقنية علاج نفسي شائعة لاستعادة  ما يسمى بالذكريات المكبوتة.

 

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ، أصبحت لوفتوس  

Loftus

، من جامعة كاليفورنيا

University of California

، إرفين

Irvine

، معروفة بعملها كشاهدة خبيرة في القضايا القانونية. واكتسب بحثها المستمر حول قابلية شهادة شهود العيان أهمية جديدة في عصر الأخبار المزيفة و الوهمية،  وحركة Me Too ومعالجة الصور الرقمية.

 

لماذا بدأتُ أولاً البحث في الذكريات المزيفة ؟

لقد كنت أبحث بالفعل في مدى موثوقية شهادة شهود العيان ،  و ذلك لمعرفة ما إذا كان يمكن تشويه ذكريات الناس المتعلقة بتفاصيل الحدث.  و ذلك تماماً كالرجل الذي يهرب فيما إذا كان لديه شعراً مجعداً ، وليس شعراً مسترسلاً. ولكن في التسعينيات ، حدثت ضجة مدوية بشأن ادعاءات التعدي الجنسي الشيطانية للأطفال على نحو مبالغ فيه، إذ بدا الأمر وكأن الناس كانوا يطورون ذكريات كاملة عن أشياء لم تحدث فعلاً . كما أننا توصلنا إلى فكرة محاولة جعل الناس يتذكرون حدثاً لم يحدث أبداً- كالضياع في مركز تجاري عندما كانوا صغاراً.

 

كيف فعلت ذلك؟

لقد أخبرنا الناس أننا نقوم بدراسات حول ذاكرة الطفولة ، وتحدثنا إلى والديهم بغية الحصول على بعض القصص بشأن تلك المرحلة. و بعد ذلك ، فإننا سنجري مقابلات مع أشخاص بالغين ، ونقدم لهم ثلاثة أحداث حقيقية منذ طفولتهم ، وتجربة مصطنعة و وهمية  بالكامل حول كيفية ضياعهم في مركز تجاري ،كيف أنهم كانوا خائفين ويبكون ، ثم كيف تم إنقاذهم في النهاية من قبل شخص مسن وتم لم شملهم مع عائلاتهم. و بعد إجراء حوالي ثلاث مقابلات ، وجدنا أن حوالي ربع هؤلاء البالغين وقعوا فريسة لذلك التلميح ، كما أنهم طوروا ذاكرة جزئية أو كاملة عن حالة الضياع التي تعرضوا لها .

 

لماذا كان هذا الاكتشاف مهماً ؟

في ذلك الوقت ، كان الناس يخوضون تجارب العلاج من حالات الاكتئاب أو اضطراب الأكل ، ومن ثم يخرجون بمشكلة أكبر ، و أنا بذلك أعني ذكريات التجارب المؤلمة التي كانوا يعتقدون أنهم قاموا بكبتها و قمعها .

ولم يقم معالجوهم باختلاق ذكريات كاذبة بشكل متعمد. إذ أنهم كانوا يظنون أن الاعتداء على الأطفال أو الإساءة إليهم هي التفسير الأكثر ترجيحاً لمشاكل موكليهم و زبائنهم ، وأنهم  كانوا بحاجة إلى استعادة الذاكرة أو انعاشها حتى يتحسنوا .و بذلك كان يجري اتهام الأبرياء و تدمر العائلات.

 

ماذا كانت ردة الفعل؟

لقد بدأت أتلقى في بريدي رسائل مليئة بالكراهية و تهديدات بالقتل . و كانت هناك حملة كتابة الرسائل لمحاولة طردي من منصبي الجامعي. كما رفعت ضدي دعوى قضائية فاضحة بسبب تهمة غير مشروعة. وقضيت سنوات عديدة في القتال ضد هذه الدعوى القضائية .أما  في هذه الأيام فقد هدأت الأمور قليلاً ولكن لا تزال هناك بعض العدائية و الحقد .

 

أدت حركة Me Too أيضاً إلى موجة من الادعاءات التاريخية للاعتداءات الجنسية. هل تعتقدين أن بعض الادعاءات يمكن أن تكون مستندة إلى ذكريات زائفة؟

إن هذا ممكن . و لكن علينا أن نقبل أنه عندما يكون هناك شخصان يملكان نسختين مختلفتين عن حدث ما، فلربما لا تكون نسخة الرجل أو روايته للحدث هي الحقيقة ، أو بدلاً من ذلك ربما نسخة المرأة  للحدث ليست هي الحقيقة. لذلك علينا البحث عن مصادر أخرى للأدلة لإثبات صحة رواية أي شخص. ولكن في الوقت الحالي ، وفي أوج "Me Too" ، فإن الناس لا يهتمون بسماعك تتحدث عن اتهامات كاذبة كما كانوا يفعلون قبل عام.  حيث يتأرجح البندول بعيداً في اتجاه تصديق الشخص الذي يقوم بتوجيه الاتهام بشكل تلقائي. و اعتاد أن يكون (البندول) بعيداً جداً في الاتجاه الآخر.

 
"يتذكر الناس التصويت في الانتخابات التي لم يصوتوا فيها. مما يجعلهم يشعرون بالتحسن "
 

و لكننا نعلم أن معظم قضايا الإساءة لم يتم تقديمها أو إحالتها بنجاح إلى المحاكمة ...

إنني أفهم ما تقوله تماماً. و لكنني كشاهدة خبيرة فيما يتعلق بالذاكرة ،  فإنني أرى مجموعة فرعية مختلفة من القضايا و الحالات لتلك التي يراها معظم الناس.  و أرى القضايا الأكثر إثارة للنزاع و الخصام و الجدل. كما أنني أكره فكرة أن الناس سيحاولون الإشارة إلى عمل الذاكرة الخاطئة بالكامل ومن ثم سيقومون باستخدام ذلك  لإنكار الذنب عندما يكونون مذنبين حقاً. وأعتقد أن هذا من المحتمل أن يحدث في بعض الأحيان، وسيكون ذلك هو مجرد ثمن . ولا أعرف ما الذي يمكننا فعله لوقف هذا.

 

ما هي المشاكل الأخرى المتعلقة بالذاكرة والتي سلط بحثك الضوء عليها ؟

لقد قمنا بإجراء بعض الأبحاث على ظاهرة تسمى عمى الذاكرة memory blindness. لنقل أنه تتم مقابلة شخص ما بعد مشاهدة جريمة ما . و سيقولون لك أن هذا الشخص كان يرتدي سترة خضراء.  و لكنك فيما بعد ستقول لهم أنهم قاموا بإخبارك أن السترة كانت بنية.

إننا حقاً نقوم باستكشاف إلى أي مدى قد لاحظ الناس أنك قمت بالرد بإجابة مختلفة عن الإجابة التي قدمها هؤلاء الناس بالفعل .وهم لا يقومون بذلك غالباً .و نحن نعتقد أن هذا يمكن أن يكون مشكلة في القضايا التي تقوم الشرطة فيها بكتابة أو إصدار بيان أو تصريح أو تقرير. وسيقولون لك : "هذا ما قلته لي".  و لكن ماذا لو كانت هناك أخطاء في ذلك؟ إذ أنه من الممكن حدوث الأخطاء .و نحن نظهر أن الناس من الممكن أن تفشل في اكتشافهم و إمكانية التأثر بهم.

 

هل يمكن أن نسيء فهم مشاعرنا إضافة إلى الحقائق؟

نعم تشير الأدلة إلى ذلك. وهناك دراسة أخرى نقوم بها ، ومضمونها قائم على أننا نأخذك في مهمة صعبة ونطلب منك  من خلالها تقييم قلقك. وأنا أستطيع التأكيد لك بنفسي أنك كنت قد قيمت الموقف في سن الأربعين 40 و ذلك عندما -قيمته حقاً- و عمرك في الستين 60. ولا يكتشف الأشخاص أنك منحتهم التقييم الخاطئ في الغالب و هم يبدأون بالشعور بقلق أقل حيال المهمة. وعندما ينظرون للوراء و يستذكرون الحدث،  فإنهم يدركون كم كان الموقف أقل فظاعة بالنسبة إليهم. و يمكنك القيام بذلك مع الأطفال عندما يذهبون إلى طبيب الأسنان. حيث قامت طالبة سابقة عندي بإجراء بعض الأبحاث على أطفال في عيادة طب الأسنان ، وجعلتهم يتذكرون خوفاً وألماً أقل ، وكانوا يتصرفون بشكل أفضل في الزيارة التي تلتها.

 

لذلك هل من الممكن أن يكون هناك فوائد للذكريات الخاطئة؟

إذا كان لدى طفلك تجربة مؤلمة ولكنها  كانت في الوقت ذاته بسيطة ، فبدلاً من التركيز على السلبيات ، فقد يكون من الأفضل بدلاً من ذلك التحدث عنها و مناقشتها (التجربة المؤلمة) . و من الممكن أن نقول له : "لقد كنت شجاعاً جداً ، و بالكاد بكيت ".  إذ أنه و بشكل عام من الأسهل قليلاً زرع ذاكرة إيجابية أكثر من أخرى سلبية. و حيث أننا لا نعرف السبب ، و لكن الأمر يبدو كذلك بشكل تجريبي.

 

هل هناك أي سبب تطوري يجعل الذاكرة غير جديرة بالثقة ؟

هناك فائدة واحدة وهي أنه  وفي الوقت الذي تزحف فيه الأخطاء ،  عندها يمكنك إصلاحها وتحديث الذكريات من خلال المعلومات الحقيقية. و هناك أيضاً فائدة أخرى و هي أن  بعض الأخطاء يمكنها أن تجعلك تشعر بشكل أفضل حيال نفسك. وتسمى هذه الحالة بتشوهات الذاكرة التي تعزز الهيبة أو المكانة prestige-enhancing memory distortions .و هناك  مثال شائع على ذلك و هو أن الناس يتذكرون تصويتهم في انتخابات ما لم يقوموا بالتصويت فيها ، و ذلك لأنهم يرغبون بالتفكير حيال أنفسهم كأشخاص يهتمون برفاهية المجتمع civic-minded. وفي بعض الأحيان، يتسبب هذا في وقوع الناس  في المشاكل و المتاعب، كما هو الحال في "حالات الشجاعة المسروقة" stolen valour cases ، و تتجلى هذه الحالة عندما يقول شخص ما مشهور أنه كان جندياً شجاعاً في ساحة المعركة ، ثم يتضح الأمر بعد ذلك أنه قضى ذلك اليوم وراء مكتبه.

 

لذلك معظم الوقت هو وهم  و خداع غير ضار؟

إذا لم يتم اكتشاف هذه الأنواع من التشوهات المعززة للهيبة و المكانة، فبإمكانها بالفعل أن تتيح للناس الشعور بالرضا عن أنفسهم. أما الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب فليس لديهم مثل تلك الحالة من التشوهات المعززة للمكانة  prestige-enhancing memory distortions مثل أي شخص آخر. إذ أن مثل هؤلاء الناس يكونون أكثر حزناً ولكنهم أكثر حكمة أيضاً. وبإمكاننا القول أن هذا مجرد علاقة متبادلة ، لذلك فنحن لا نعرف ما إذا كان النقص في وجود تشوهات في الذاكرة تعزز الهيبة هو ما يسبب الاكتئاب. ولكنه يشير حتماً إلى جانب آخر محتمل لعدم موثوقية ذاكرتنا. فإذا كانت هناك كلفة أو ثمن لذلك ، فيجب أن يكون هناك بعض الفوائد أيضاً.

 المصدر

الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن