عدم ضبط نسبة الزرنيخ في الغذاء يمكن أن يهدد صحتنا
عدم ضبط نسبة الزرنيخ في الغذاء يمكن أن يهدد صحتنا

لقد عرف الباحثون لبعض الوقت أن الطعام والشراب -الذي نستهلكه جميعاً- يحتوي على مادة الزرنيخ. و لكن هل يجب علينا أن نقلق بشأن ذلك ؟ ألسنا محميين بموجب القوانين المتعلقة بذلك؟ في الواقع لا – نحن لسنا كذلك .

في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما في العديد من البلدان ، تقوم الحكومة بتنظيم تركيز الزرنيخ في مياه الشرب ، ولكنها لا تنظم تركيزه في أي مشروب أو طعام أخر. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إذا كان لدينا قوانين تضبط نسبة الزئبق في الطعام ، فلماذا لا توجد قوانين تضبط نسبة الزرنيخ في الغذاء؟ .

و للتفريق بين قضية الزرنيخ و الزئبق يمكننا أن نؤكد بأن أحد الاختلافات المهمة يتمثل في أن جميع مركبات الزئبق التي نجدها في الأغذية تكون سامة على حد سواء. أما بالنسبة للزرنيخ فالحال ليست هكذا أبداً .  فعلى الرغم من تفكيرنا في احتمالية أن مركبات الزرنيخ ربما تكون ضارة ، إلا أن معظم الزرنيخ الذي نتاوله غير مؤذي . فمثلاً المأكولات التي تعتمد على الأحياء البحرية والتي تحتوي على أعلى معدل في  تركيز الزرنيخ حتى الآن ، تحرر مادة ال ( Arsenobetaine ) ،وهي مادة كيميائية عضوية تحتوي على الزرنيخ غير الضار بنا نحن البشر.

إذاً كيف يمكن تنظيم نسبة الزرنيخ في الغذاء ؟ للقيام بذلك بشكل جيد ، علينا أن نطور طرق أفضل لتحديد كميات الـزرنيخ والمواد الكيميائية الأخرى في طعامنا.

الزرنيخ في الطعام :

مازال العلماء في البدايات في قضية جمع البيانات المتعلقة بوجود الزرنيخ في المواد الغذائية . و حتى الآن ، يعتقد العلماء بأنه - فقط - المواد الغذائية المستهلكة على نطاق واسع -والتي تنطوي على احتمالية وجود مشكلات صحية طويلة الأمد نظراً لاحتوائها على الـزرنيخ- هي الأرز وجميع المنتجات المشتقة منه كالطحين ، والكيك ، والبسكويت وطعام الرضع.

فيما أظهرت التحاليل الكيميائية أنه و بغض النظر عن منشأ الأرز ، فإن أربعةً من المركبات (تحتوي على الـزرنيخ) تمثل حوالي 95% من الـزرنيخ الذي يتم إطلاقه من الأرز عند الطهي .

و وفقاً للوكالة الدولية لأبحاث السرطان International Agency for Research on Cancer فإن اثنان من المركبات ، والمعروفان معاً بالزرنيخ اللاعضوي ، هما من المواد المسببة للسرطان عند البشر ، كما أن هناك احتمالية أن يكون المركبان الآخران المونومثيل والـزرنيخ ثنائي المثيل (Monomethyl and Dimethylated Arsenic) هما أيضاً مسرطنان للبشر .

و بالنظر إلى نسب تركيز الزرنيخ في الأطعمة فإنه يتوفر مجال واسع في الغذاء الذي نستهلكه. و على الرغم من عدم وجود مخاطر صحية محددة فإنه في حال تم وضع حد لسلامة الأغذية اعتماداً على معدل تركيز الزرنيخ - فقط - فسيتم تصنيف جميع المواد الغذائية المنتجة من البيئة المائية على أنها غير ملائمة للاستهلاك البشري . و لذلك فإن المعايير المرتبطة بتركيز الزرنيخ في الغذاء تتطلب تحديد أيٍ من مركبات الزرنيخ  يجب أن تضبط و تحدد بشكل خاص.

بالإضافة إلى ما سبق فإن المخاطر الصحية تعتمد على تراكيز الزرنيخ غير العضوي المسرطن ، و كمية الأرز المستهلك وعدد مرات تناوله . فيرى بعض الباحثين أنه وللحفاظ على معدل مقبول للإصابة بالسرطان الناجم عن مادة الزرنيخ ، يجب ألا يتجاوز استهلاك البالغين اليومي ربع كوب من الأرز غير المطبوخ ، الذي لا يحتوي على أكثر من 50 جزءاً في المليار من مادة الـزرنيخ ، وأنه حتى الأطفال يتوجب عليهم أن يتناولوا كمية أقل من الأرز بما يتناسب مع وزن أجسامهم .

تظهر نتائج تحليل كمية كبيرة من الأرز و منتجاته والتي قدمتها كل من " تقارير المستهلك " (Consumer Reports ) و " إدارة الغذاء و الدواء الأمريكية " (US Food and Drug Administration ) أنه وبشكل تقريبي : فإن كل الأرز الذي تم اختباره و تحليله يحتوي على تراكيز كبيرة -والتي من الممكن أن تتجاوز الحدود في بعض الأحيان - تزيد عن الحد البالغ 50 جزءاً من المليار.

و بشكل عام ، فإن الأرز البني يحتوي على تراكيز زرنيخ أعلى من تلك الموجودة في الأرز الأبيض .

لماذا الزرنيخ في الأرز :

نحن لا نعرف -حتى الآن -إلى كم من الوقت كنا قد تعرضنا لخطر الزرنيخ. و الجدير بالذكر هنا  أنه في الآونة الأخيرة فقط ، أحرز التقدم في تكنولوجيا القياس الكيميائي إمكانية الكشف عن مركبات الزرنيخ عند تراكيز معينة ذات صلة في المواد الغذائية.

يُذكر أنه قد تم الحصول على أول نتائج لقياس الـزرنيخ في الأرز في عام 1998. و أن حجم التلوث العالمي لم يكن واضحاً حتى عام 2005 ، عندما أدرك العلماء  أن بعض أعلى معدلات التراكيز من مركبات الزرنيخ غير العضوية والميثيلية (inorganic and methylated) توجد في الأرز المزروع في الولايات المتحدة. وقد أظهرت النتائج حتى الآن أن جميع أنواع الأرز ، بغض النظر عن التنوع والمنشأ ، تحتوي على تراكيز يمكن قياسها بسهولة من مركبات الزرنيخ.

لكن ما السر الكامن وراء وجود الزرنيخ في الأرز ؟

إليك الإجابة.. يزرع الأرز في الغالب في الحقول التي كانت تستخدم سابقاً للقطن ، والتي كان إنتاجها يشمل الرش بحمض cacodylic (مركب ثنائي ميثيل الزرنيخ) لقتل حشرة سوسة اللقاح المضرة ، ومن ثم  يُرش المحصول بحمض الزرنيخ لقتل وتجفيف النبات قبل الحصاد الميكانيكي. و عند زراعة الأرز في هذه الحقول يقوم – الأرز - بامتصاص الزرنيخ إلى الحدود القصوى أكثر من المحاصيل الأخرى ، مثل القمح والشعير.

و كذلك يأتي العديد من المركبات المحتوية على الزرنيخ -والتي نأكلها ونشربها- أيضًا من العمليات المرتبطة بوجود زرنيخ طبيعي ، والمنتشر على نطاق واسع في قشرة الكرة الأرضية . فجميع أشكال الحياة ، بدءاً من البكتيريا إلى الرئيسيات ، قادرة على تحويل مركبات الزرنيخ غير العضوية المشتقة من المعادن التي تدخل إلى الشبكة الغذائية إلى سلسلة من المركبات العضوية ، مما يجعلها أقل سمية.

و منذ عام 2012 ، يدعو اتحاد مجموعة الدفاع عن المستهلكين "Advocacy group Consumers Union" إلى وضع معايير لضبط نسبة الـزرنيخ  في الغذاء وتنفيذ استراتيجيات الحد منه ، مثل التخلص التدريجي من استخدام المبيدات الحشرية المحتوية على الـزرنيخ. ومع ذلك ، تعمل إدارة الأغذية والأدوية FDA على دراسة المخاطر طويلة الأجل و يعتقد أنها لن تفكر في اتخاذ أي إجراء حتى يكتمل ذلك.

و بناءً عليه, يمكن لنا نحن الذين لا يأكلون أكثر من الكمية التي أوصت بها تقارير المستهلك أن نكون قادرين على التحمل والانتظار حتى تصدر نتائج الأبحاث و الدراسات. و لكن بعض المجموعات المتواجدة ضمن السكان ، والذين يتكون نظامهم الغذائي إلى حد كبير من الأرز , لابد من النظر في أمرهم باتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص نتائج الأبحاث عاجلاً وليس آجلاً ، (أمثال  الذين يعانون من مرض الاضطرابات الهضمية ، أو الرضع ، أو بعض الثقافات المعتمدة على الأرز). و تذكر بعض الدراسات أن الأميركيون الآسيويون ,هم أولئك العرق أو الفئة -من سكان الولايات المتحدة الأمريكية- الوحيدون الذين يعتبر السرطان هو السبب الرئيسي لوفاتهم , إذ أن نظامهم الغذائي المعتمد بشكل كبير على الأرز يمكن أن يسهم في ذلك.

طرق قياس تحمل عيوباً كثيرة :

لا يتفق جميع العلماء في  كيفية تقييم المخاطر الصحية لاستهلاك مركبات الزرنيخ غير العضوية و الميثيلية (Inorganic and methylated arsenic compounds) . ولكن بغض النظر عن القاعدة المتبعة -و بأقل تقدير ممكن- يجب أن يكون هناك ضبط هادف لنسبة الزرنيخ  الموجودة في الأرز مدعوماً بمعلومات موثوقة عن تركيز الزرنيخ غير العضوي. ومع الأسف أو ربما لسوء الحظ ، فإن مجتمع القياسات الكيميائية لا يزال يحقق تقدماً بطيئاً نحو هذه المقدرة.

وقد شارك ما يقارب مائة  100 من الخبراء الكيميائيين من مختبرات منتشرة في 35  دولة في اختبار الكفاءة الذي تم إجراؤه مؤخراً ، شاركوا في تحديد مجموع الـزرنيخ والـزرنيخ غيرالعضوي في مادة مرجعية تختص بدراسة دقيق الأرز كان قد  تم إعدادها بعناية.

واعتماداً على مدى صرامة معايير التقييم المطبقة ، فإن ما نسبته بين  23% و 41% من المشاركين لم يحصلوا على نتيجة مرضية لتحديد إجمالي نسبة تركيز الـزرنيخ ، كما لم تحصل شريحة من المشاركين تتراوح بين 25%   و 43% أيضاً على نتيجة مرضية لتحديد الـزرنيخ غير العضوي. و من ناحية أخرى ، لم يقم سوى ثلث المشاركين بتقديم نتيجة لمحتوى الـزرنيخ غير العضوي ، وهو ما يدل -على الأرجح- أنهم لم يكونوا قادرين على تحديد تركيز الشكل الأكثر ضرراً. في النهاية , لدى العلماء و الباحثين في هذا المجال القدر الكافي من المعلومات ليشعروا بالقلق حيال ما سبق ، و يعلموا -بكل تأكيد- أنه من حق المستهلكين أن يطالبوا بمزيد من المعلومات.  و كوسيلة -ربما تكون متاحة- هناك حاجة ماسة إلى الحوافز و المكافآت , ليس فقط لتمكين مورّدي الأرز من تنفيذ استراتيجيات التخفيض من معدلات تركيز الزرنيخ ، ولكن أيضًا للحصول على محللين كيميائيين من أجل التعاون في تطوير طرق موثوقة لذلك.

و أخيراً , إن معدل تركيز الزرنيخ اللا عضوي في الأرز و الذي يصعب الحصول عليه بأقل من 100 جزء لكل مليار سيكون بداية جيدة. و حتى يتم الوصول إلى هذه النسبة ، سيتوجب علينا أن نقوم باختيار الأرز الأبيض (البسمتي أو السوشي) ، ثم نقوم بغسله جيداً  في الماء البارد ، وطهيه بكثير من الماء الذي يجب أن يكون خالياً من الـزرنيخ ، بطبيعة الحال ☹.

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن